وسط أجواء مهرجان الجونة السينمائي، جاء اليوم الخامس ليحمل لقاءً خاصًا مع المخرج شريف عرفة، الذي فتح أرشيفه السينمائي أمام الجمهور واستعاد محطات شكلت رؤيته الفنية، متوقفًا عند قضايا تتعلق بالمشهد السينمائي الراهن، ومحتفيًا في الوقت نفسه بعدد من المخرجين الذين تركوا بصمة خالدة في تاريخ السينما المصرية، من بينهم يوسف شاهين ونيازي مصطفى. فيما تولى الكاتب والممثل عباس أبو الحسن دفة الحوار.

السينما فن الصورة.. لا منبر القضايا

قال شريف عرفة إنه رغم تنوع مسيرته السينمائية وتعاونه مع عدد من كُتاب السيناريو المختلفين، فإنه لا يضع خطة واضحة لمساره الفني، إذ لا يوجد فنان يعرف بدقة ما سيفعله خلال السنوات العشر المقبلة. وأوضح أنه تعاون أولًا مع ماهر عواد، ثم مع وحيد حامد، قبل أن يعود للعمل مع عواد في «يا مهلبية يا»، مؤكدًا أنه لا يوجد خط فاصل بين المرحلتين كما يُشاع.

وأشار إلى وجود خيط يجمع بين أفلامه، فمثلًا في «اللعب مع الكبار» يقول البطل إنه سيحلم، وقبله في «سمع هس» يطمح البطلان لتحقيق أحلامهما بكل إصرار، كما تتردد الفكرة نفسها في أغنية فيلم «يا مهلبية يا». فحتى إن لم يكن ثمة رابط واضح، تبقى بصمة المخرج حاضرة في الحكايات على اختلافها.

كذلك توقف شريف عرفة عند مصطلح “الأفلام ذات القضية”، معتبرًا أنه مصطلح إشكالي يطرح تساؤلات حول جوهر السينما وسبب وجودها. وقال: “هذا المصطلح يجعلني أتساءل: ما هي السينما ولماذا نصنع الأفلام؟ عندما بدأت الإخراج، كان ما يشغلني هو الشكل الذي أريد تحقيقه على الشاشة. فإذا كنت تحمل قضية محددة تريد مناقشتها، فاكتب عنها نصًا مقروءًا، لا فيلمًا. فالدافع الحقيقي لصناعة الأفلام هو شغفك بالصورة، والرغبة في ابتكار شكل بصري معين”.

وأوضح أن الفيلم يجب أن ينطلق من قيمة جمالية وبصرية قوية، ومنها يتولد الإحساس الإنساني، وهو الجوهر الأسمى في تجربة المشاهدة، لأنه ما يحرّك مشاعرنا فعلًا. وأضاف أن النظر إلى السينما باعتبارها وسيلة لتمرير رسائل أو مناقشة قضايا كان اتجاهًا تبناه بعض النقاد في فترات معينة، وهو ما أثّر لاحقًا في الطريقة التي نرى بها السينما ونكتب عنها.

النجاح ليس في شباك التذاكر

قال شريف عرفة إنه لا يشغله تصنيف الفيلم كعمل جماهيري أو فني، مؤكدًا أن الأهم بالنسبة له هو أن يصل الفيلم إلى الجمهور وألا يقتصر على عدد محدود من المشاهدين. وأوضح أن نجاح الفيلم لا يُقاس بإيرادات شباك التذاكر بقدر ما يُقاس بقدرته على البقاء في ذاكرة الناس، قائلاً: “الفيلم ينجح حين يقترب من الجمهور أكثر.”

وأضاف أنه شعر بسعادة كبيرة خلال عرض فيلم «يا مهلبية يا» أمس ضمن فعاليات المهرجان، حين امتلأت القاعة بالجمهور، مشيرًا إلى أن هناك من يرتبط أيضًا بـ« الإرهاب والكباب» أو لا ينام إلا بعد مشاهدة «الناظر»، وهذا ما يراه هو النجاح الحقيقي؛ وهو أن يعيش الفيلم مع الناس ويصير جزءًا من وجدانهم.

واستعاد عرفة ذكريات مشاهدته لأفلام نجيب الريحاني، مؤكدًا أن كثيرًا من رواد السينما لم يُنصفوا كما يستحقون، وعلى رأسهم نيازي مصطفى، الذي وصفه بـ«الأعجوبة» لما قدمه من إسهام حقيقي في تأسيس سينما مصرية خالصة.

شخصية المخرج

خصص شريف عرفة جانبًا من حديثه للحديث عن المخرجين الذين شكّلوا وعيه السينمائي، من بينهم حسن الإمام، عاطف سالم، سعد عرفة، محمد خان، وصالح فاضل. وأوضح أن تأثيرهم لم يكن في الأسلوب أو التقنية، بل في الروح التي حملوها لأفلامهم، وهي الروح التي ظلت مصدر إلهام له على مدار مسيرته.

وأشاد بتجربة عاطف سالم، معتبرًا إياه الأقدر على تجسيد دفء العائلة المصرية في أعمال خالدة مثل «أم العروسة» و«الحفيد». كما توقف عند حسن الإمام، الذي وُصف ظلمًا بأنه “مخرج العوالم”، بينما هو في الحقيقة صاحب الفضل في الصورة الراسخة التي نحملها اليوم عن ثورة 1919.

وانتقل عرفة للحديث عن الفارق بين المخرج المبدع وذلك الذي يجيد التقليد، مؤكدًا أن على كل صانع أفلام شاب أن يعرف موقعه الحقيقي: هل هو مبتكر يقدم ما لم يُرَ من قبل، أم مقلد يعيد إنتاج ما أُنجز بإتقان؟ وشدد على أن الموهبة تظل حجر الأساس، لكن الصناعة لا تقوم على الموهوبين وحدهم، بل تحتاج أيضًا إلى المقلدين الذين يحافظون على استمرارها.

وروى مازحًا أنه اقتبس مشهدًا واحدًا فقط طوال مسيرته، من فيلم أجنبي يصوّر رجلًا يحاول خلع ملابس امرأة ليكتشف طبقات لا تنتهي، فأعاد تقديم الفكرة في «الإرهاب والكباب» من خلال مشهد ماجدة زكي وهي تزيل أغطية السرير واحدًا تلو الآخر، قائلاً: “حينها صار المشهد ملكي.” ومن هنا، كما يوضح، يتجلى الفرق بين الموهوب الذي يعيد الخلق، والمقلد الذي يكرر بلا روح.

وكشف عرفة إنه يجد سحر السينما في أبسط لحظاتها، تلك التي تترك أثرًا طويلًا دون مبالغة أو صخب. واستعاد مشهدًا عالقًا في ذاكرته من «اضحك الصورة تطلع حلوة»، جمع الكاميرا بسناء جميل في لقطة واحدة التقطت دمعة حقيقية انحدرت من عينيها، كاشفًا أن المشهد أُعيد تصويره مرات كثيرة حتى بلغ الإحساس ذروته.

كما أوضح أن سر السينما الحقيقية يبدأ من الشخصية؛ من الطريقة التي تُنقل بها من الورق إلى الشاشة حتى تنبض بالحياة وتصل للمشاهد.

مشاركة: