“إنجاز العمر جملة كبيرة على سني، وعلى ما أطمح لإنجازه”، بهذه الكلمات استهلّت الممثلة منة شلبي الندوة التي أُقيمت تزامنًا مع منحها جائزة الإنجاز الإبداعي ضمن فعاليات الدورة الثامنة من مهرجان الجونة السينمائي. ترى منة أن الإنجاز بالنسبة لها يتمثل في أداء أدوار مميزة تقودها إلى الترشّح والفوز بجوائز كبرى مثل الإيمي والأوسكار، غير أن مثل هذه التكريمات تمنحها شعورًا بالتقدير وتؤكد لها أن خطواتها في عالم التمثيل مؤثرة، وهو ما لا يقل شأنًا عن الفوز بأهم جوائز العالم.

التمثيل والذهاب إلى آخر المشوار

خلال الندوة التي حاورها فيها كريم الشناوي، بدت منة شديدة التأكيد على حبها وتقديرها لمهنتها، مؤكدة أن هذا الشغف هو ما يدفعها للاستمرار رغم ما تبذله من جهد نفسي وجسدي في سبيل تقديم أدوارها بأكمل صورة ممكنة. قالت:

“الممثل الحقيقي يشقى في عمله. قد يجسد لقطة لا تتجاوز بضع ثوانٍ على الشاشة، لكنها تستنزف من روحه وفكره الكثير حتى يتمكن من أدائها. أحيانًا لا أنام وأنا غارقة في التفكير في أحد الأدوار، أخوض رحلة مرهقة بين الشك واليقين، حتى استقر على الطريقة التي سأقدم بها الشخصية ومشاعرها وطباعها”.

سألها كريم الشناوي عن معاييرها في اختيار الأدوار، وما الذي يدفعها لقبول عمل أو رفض آخر، فأجابت بداية بأنه لا توجد ضمانات ثابتة في هذه المهنة، قائلة: “أحيانًا أخطئ في اختيار عمل فني، وأحيانًا أعتذر عن عمل ناجح يثبت صُنّاعه أن الفن الجيد لا يقوم على فرد، بل على جماعية الجهد والإيمان بالمشروع.” وتابعت: “لكن المعيار الأهم بالنسبة لي عند التعامل مع النصوص هو أن أصدق الشخصية المكتوبة. ليس ضروريًا أن أكون قابلتها في الواقع، المهم أن يقنعني السيناريو بمنطقها، وأن تكون سماتها قادرة على خلق دراما مقنعة. مثلًا، لم ألتقِ بشخصية تشبه تلك التي قدمتها في مسلسل «في كل أسبوع يوم جمعة» لكنها كانت مرسومة بدقة شديدة”.

وأضافت منة شلبي أنها تفضل الاعتماد على أسلوب التمثيل المنهجي (Method Acting) في أداء أدوارها، والاندماج الكامل مع تفاصيل الشخصية، موضحة: “أنا أحب الذهاب إلى آخر المشوار، لكن لكل خيار إيجابيات وسلبيات؛ هذا الأسلوب يساعدني على التوحد تمامًا مع الشخصية التي أؤديها، لكنه في الوقت نفسه يجعلني أكثر عرضة للتأثر والتعب.” وأشارت إلى أن طبيعة الدور هي ما تحدد دائمًا طريقة التعامل معه، فبعض الشخصيات تتطلب جهدًا نفسيًا أكبر من غيرها، مثل أدوارها في أعمال المخرجة كاملة أبو ذكر (فيلم «عن العشق والهوى»، مسلسل «واحة الغروب»، مسلسل «بطلوع الروح»).

وعن العلاقة بين الممثل والمخرج، ترى منة أنهما يتشاركان في رحلة خلق الشخصية، حتى تخرج إلى النور كما يخرج الجنين إلى الحياة. وأضافت: “بشكل عام، أنا أغوص في أعماق الشخصيات واتناقش مع المخرج كثيرًا وإن بقيت الكلمة الأخيرة له، لكنني أؤمن أن التمثيل الصادق يكمن في البساطة والاقتصاد (less is more)، قدم ما لديك ودع الجمهور يستشعر إحساسك ويكمل الصورة في خياله”.

هاوية بأجر

ذكرت منة شلبي في أكثر من موضع أنها محوظة بالعمل مع كبار المخرجين مثل رضوان الكاشف، ويوسف شاهين، ومحمد خان، وبالوقوف أمام ممثلين تعلمت منهم أصول المهنة مسؤولياتها. فقد كانت مجرد فتاة صغيرة تحب التمثيل، غامر بها رضوان الكاشف في فيلم «الساحر»، فكانت تلك التجربة انطلاقتها الكبرى التي تركت أثرًا عميقًا في مسيرتها الفنية.

أما اليوم، فتتعامل منة مع التمثيل بمنظور مختلف: “أنا هاوية بأجر محترف، أحاول الحفاظ على روح الهواة لأظل أكثر إبداعًا وحرية، لكن بشكل احترافي أُتقاضى عنه أجرًا جيدًا.” وأردفت: “مع تراكم الخبرات، أدركتُ أنه من المهم أن تعرف قيمتك جيدًا، لكن دون أن تحملها معك إلى موقع التصوير. فمن المستحيل أن تتمكن من التمثيل وأنت تحمل بداخلك “إيجو” كبير، فذلك سيقيدك ويعطلك كثيرًا. كما أنه من الضروري ألا تحكم على الشخصية التي تؤديها، بل تفهمها بصدق”.

وشددت على أن اختيار التمثيل بدافع الشهرة ليس خيارًا مناسبًا، فهناك مجالات أخرى تحقق ذلك، مثل عروض الأزياء. أما التمثيل، فهو مهنة تتطلب من صاحبها استعدادًا لأن يضع ذاته جانبًا، وأن يتحمل المشقة إلى أقصى حدودها في سبيل صدق الشخصية.

الرهان مع الزمن وأزمة الكتابة

قدّمت منة شلبي طيفًا واسعًا من الأدوار، وتنوّعت اختياراتها بين التجاري الخالص والفني ذي القيمة العالية. تقول: “هناك نوعية من الأفلام أشعر بأنه لا بد أن أشارك فيها، حتى لو استغرق الأمر وقتًا أطول لتصل إلى الجمهور”. فهي تراهن على الزمن، مؤمنة بأن بعض الأعمال لا تنال تقديرها الحقيقي إلا لاحقًا.

وعن ندرة البطولات النسائية في السينما، أوضحت منة شلبي أنها لا تنشغل بكون العمل من بطولتها أم من بطولة رجل، فالأهم بالنسبة لها هو الدور ذاته وجودة العمل ككل. وشددت على أن السينما عمل جماعي لا يمكن اختزاله في النجم وحده. وكشفت أن لديها مشروعًا سينمائيًا يحمل اسم «عظماء لا يعرفهم أحد» يسلّط الضوء على العاملين خلف الكاميرا ممن يشكّلون العصب الحقيقي للصناعة، ليُذكّر الجمهور بأن كل فرع في هذا الفن له دوره في صنع السحر.

واختتمت منة شلبي حديثها بالإشارة إلى أن الأزمة الحقيقية التي تمر بها الصناعة اليوم تكمن في ضعف السيناريوهات. وأوضحت أنها في السابق كانت تتلقى العديد من النصوص الجيدة، لتختار منها أربعة مثلًا لتجسيدها على الشاشة، لكن حاليًا تجد صعوبة في العثور على نص يرضي طموحها الفني. بينما عقّبت كاتبة الأغاني منة عدلي القيعي مؤكدة أن هناك الكثير من كتاب السيناريو الشباب الذين يملكون موهبة حقيقية، لكنهم يواجهون صعوبة في الوصول إلى شركات الإنتاج، وحتى عندما يتمكنون من ذلك، نادرًا ما يقرأ أحد ما يرسلون.

 

مشاركة: