هل هناك وصفة سرّية لكتابة سيناريو سينمائي رائع؟
من كتابه “بين النور والظل: فن بناء أبطالٍ وخصومٍ لا يُنسون في الأفلام والمسلسلات“، يقدم لنا جيفري هيرشبرج القوانين الإحدى عشر لسرد قصص سينمائية عظيمة.
على مدار 18 عام من كتابة السيناريو، قرأت وتمعّنت آلاف السيناريوهات، سواء من كتّاب محترفين أو من طلابي في جامعات مثل “بافلو ستيت”، وجامعة “كورنيل” ، وكلية “نيوهاوس” للاتصال في جامعة “سيراكيوز”، وكلية “السينما والرسوم المتحركة” في معهد “روتشستر” للتكنولوجيا.
وخلال هذا الوقت، اكتشفت نمطًا يتكرر بين الأعمال التي تترك أثرًا طويل الأمد في الذاكرة، وهم 11 قاعدة تُشكل جوهر السرد السينمائي كما يقول الكتاب. ويبقى بناء الأبطال والغُرماء كشخصيات خالدة، بطبيعة الحال، جزءً لا يتجزأ من تلك القواعد، ويجب أن يكون دائمًا في صميم تفكيرك ككاتب.
ومع أن الوصول إلى أكسير نجاح أي قصة يُعد أمرًا مستحيلًا، فإن اتّباع هذه القواعد يمنح قصتك فرصة حقيقية لتُحاكى وتُخلد.
ومع أخذ ذلك بعين الاعتبار، لنبدأ:
1-افترض أن الجميع يعاني من تشتّت الانتباه
قلما توجد حقيقة أكثر وضوحًا في عالم السينما من هذه.
ورغم أنني أمارس أحيانًا دور “المحلل النفسي الهاوي”، إلا أنّ الأمر لا يحتاج إلى شهادة في علم النفس لنلاحظ أن الجمهور، ونحن من ضمنه، بات سريع التشتت، قليل الصبر.
هناك عوامل خارجية قد تفسر ذلك بالطبع، كالفيديوهات السريعة، وألعاب الفيديو، والرسائل النصية، والمحادثات الفورية، والإنترنت، لكن ما لا جدال فيه هو أن مدى انتباه الجمهور يرتبط بشكل مباشر بقدرته على تكوين صلة عاطفية مع القصة، وهذه الصلة لا بد أن تُنشأ سريعًا وإلا ستفقد جمهورك.
فالقارئ، تمامًا كمن يشاهد فيلمًا، يحتاج لأن يشعر بالانجذاب من اللحظة الأولى.
2-خصّص جهدك الأكبر للصفحات العشر الأولى من السيناريو.
في فيلم Gladiator، لا ننتظر كثيرًا حتى نتعرف إلى الجنرال “ماكسيموس”، وهو رجل يحظى باحترام جنوده الرومان، ثم نجد أنفسنا وسط معركة دامية لتُغمسنا تمامًا في التجربة.
أما في Pulp Fiction، تبدأ المشاهد الأولى بعملية سرقة لمطعم، يتخللها تأملات قاتلين مأجورين لا يمكن نسيانهما. الحوار متجدد، مُبتكر، فريد ولا تهدأ وتيرته، مما يدفعك كمطّلع على النص إلى مواصلة القراءة دون تردد.
عندما تنتهي من كتابة السيناريو، شارك الصفحات العشر الأولى مع مجموعة من أصدقائك أو أفراد عائلتك ممن تثق برأيهم. ثم اسألهم سؤالًا واحدًا وبسيطًا: “هل ترغبون في متابعة القراءة؟” إذا جاءت أغلب الإجابات بنعم، فاعلم أنك تسير في الطريق الصحيح نحو كتابة سيناريو يُخلد في الذاكرة.
3-اكتب أدوارًا تُغري النجوم
اصنع شخصية تترك أثرًا، خيّرًا كان أم شريرًا، وستكون أمام فرصة حقيقية لجذب نجمٍ سينمائيٍ إلى قصتك. لماذا؟
لأن الشخصيات التي تبقى في الذاكرة، مثل الأبطال والأشرار الذين تناولهم كتابي هذا، شخصيات فريدة وذكية. شخصيات تملك جاذبية لا تنفد. فمن الذي لا يرغب في تجسيد “هانز جروبر”، أو “نورما راي وبستر”، أو “هانيبال ليكتر”، أو “إلين ريبلي”، أو “جوردون جيكو”؟
ومن المفيد أيضًا أن تُشاهد أفلامًا نالت جوائز الأوسكار عن أداءات تمثيلية.
فنجم السينما يمكنه شراء كل شيء، من سيارات “بورش” إلى لوحات “بيكاسو”، وله معجبين من أنحاء العالم ينتظرون بالساعات لأجل لمحة منه، ولا يكفّ المحيطون به من وكلاء ومحامين ومنتجين ومخرجين عن إغراقه بالثناء، وكأنه “دافنشي” قد بُعث من جديد.
لكن هناك شيء واحد لا يمكنه شراؤه، الاحترام الذي تمنحه جائزة الأوسكار لحاملها. فإن استطعت أن تكتب دورًا غنيًا يجذب نجمًا أو أكثر، فقد تجد نفسك في قلب معركة مزايدة بين كبرى شركات الإنتاج.
4-اكتب بإيجاز
من أكثر الأخطاء التي لاحظتها على مدار سنوات من قراءة وكتابة السيناريوهات، هو الميل إلى الإفراط في الكتابة. وهذه المشكلة تظهر غالبًا في موضعين:
– وصف مسرحي مطول.
– حوار مباشر أكثر من اللازم.
الوصف المسرحي المطول:
احرص أن يكون الوصف مباشرًا وموجزًا (لا يتجاوز خمسة أسطر في كل فقرة إن أمكن). ولا تنسَ أنك تكتب عملًا ترفيهيًا، لذا ينبغي أن يكون جذابًا وممتعًا، لا أن يقتصر على مجرد سرد لما تفعله الشخصيات أو إلى أين تمضي.
الحوار المباشر الزائد عن الحد:
منذ عدة سنوات، أرسلت سيناريو لمديري، فعاد بملاحظات على الجمل وصفها بأنها “مباشرة أكثر من اللازم”.
الغاية هي أن تتيح للجمهور فرصة لاكتشاف المعلومة بأنفسهم، دون أن يبلغ الأمر حد النفور. امنحهم ما يكفي ليشعروا أنهم جزء من القصة.
5-امنح كل شخصية صوتًا مميزًا
تنجح الأفلام أكثر حين تُبنى بشخصيات تختلف بوضوح عن بعضها. لذا:
– تجنّب الكليشيهيات:
من أكثر الأخطاء شيوعًا لدى الكتّاب الجدد هو تجسيد شخصيات نمطية متكررة. السرّ يكمن في الابتعاد عن تلك الصور المألوفة وتقديم شيئًا جديدًا يبحث عنه جمهورك.
– فاجئنا بسِمات طريفة وغير مألوفة:
من حين لآخر، وأنا أشاهد فيلمًا في صالة السينما، أُفاجئ بتفصيلة جديدة أو سِمة غير مألوفة في إحدى شخصياته الرئيسية. هذا النوع من المفاجآت هو ما نبحث عنه جميعًا، لكنه نادرًا ما يحدث.
– اخلق شخصية يتمنى الممثل تجسيدها:
تخيل ردّة فعل جوليا روبرتس حين قرأت سيناريو “إيرين بروكوفيتش”، لم تكن تلك الشخصية مما اعتادت هوليوود تقديمه للممثلات، فبطلة الفيلم شخصية قوية تحلم أي ممثلة بتأديتها، فهي واثقة، جريئة، رحيمة، وتتمتع بجُمل حوارية خالدة. إنها قصة كلاسيكية عن “البطل المستضعف”، ويكون سببًا لحصول “جوليا روبرتس” على جائزة الأوسكار عام 2000.
– دع الشخصية تتطور:
يُعد “ريك بلاين” في Casablanca مثالًا رائعًا للبطل الذي يتغيّر تدريجيًا. ففي بداية الفيلم، يردد بثقة شعاره “أنا لا أخاطر بحياتي لأجل أحد”. لكنه ينهيه بفعل النقيض تمامًا، يخاطر بكل شيء من أجل المرأة التي يحب.
– املأ طريقهم بالعقبات:
نُحب أن نرى أبطالنا يعانون. أكان ليُصبح Raiders of the Lost Ark فيلمًا يُذكر إذا عثر “إنديانا جونز” على تابوت العهد دون عناء وأعاده إلى أمريكا؟ أو اقتحم “جون ماكلين” حفلة نكاتومي وقتل “هانز جروبر” وأتباعه بضربة واحدة؟ أو اكتشفت ريبلي مكان الفضائي وطريقة التخلص منه بسهولة؟ كم كان ذلك سيكون مملاً!
6-افهم جمهورك
حين تكتب سيناريو، لا بد أن تضع في اعتبارك نوعين من الجمهور:
– من سيقرأ النص، من وكلاء ومخرجين ومنتجين ومدراء استوديوهات (أي المشترين المحتملين).
– الجمهور الذي تتوقع أن يهتم بمشاهدة الفيلم عند عرضه.
إذا كان السيناريو كوميدي، يجب أن يكون مضحكًا، وإذا كان رُعبًا لا بد أن يكون مخيفًا. يبدو الأمر بديهيًّا، أليس كذلك؟ ليس دائمًا. إذا سألت قارئة محترفة عن عدد سيناريوهات الكوميديا أو الرعب التي أضحكتها وأخافتها فعلًا، قد تجيبك “الكوميديا تُرعب، والرعب يُضحك!”
أما عن الفئة المستهدفة، فاستوديوهات هوليوود تميل إلى تقسيم الجمهور إلى أربع فئات رئيسية تُعرف بـ “الأرباع الأربعة”:
-الذكور دون الـ٢٥ – الذكور فوق الـ٢٥
-الإناث دون الـ٢٥ – الإناث فوق الـ٢٥
وإن تساءلت يومًا لماذا تُحقق أفلام بيكسار هذا النجاح الهائل عالميًا، فذلك لأنها تتقن صناعة أفلام “الأرباع الأربعة”، أفلام تروق لكل الفئات بغض النظر عن العمر أو الجنس.
7-أتقن البناء الثلاثي
شئت أم أبيت، لهوليوود لغة خاصة، وستكون هناك توقعات معينة من المشترين تجاه أي سيناريو تُقدمه:
-بحلول الصفحة العاشرة يجب أن يكون القارئ قد تعرّف على البطل، وهدفه الذي يسعى إليه، ونوع القصة.
-مع نهاية الفصل الأول (حوالي الصفحة 25)، ينبغي أن يكون اتجاه القصة واضحًا، ما المخاطر؟ (ما الذي قد يخسره البطل إن لم يحقّق هدفه؟) ومن أو ما الذي يقف في طريقه؟
-بحلول منتصف القصة (الصفحة ٥٥ تقريبًا)، يميل القرّاء إلى الشعور بأن المخاطر التي يواجهها البطل قد تصاعدت بشكلٍ ما. ربما ظهر خصم جديد أو عقبة غير متوقعة، أو طرأ تحوّل واضح على شخصية البطل.
-مع نهاية الفصل الثاني (حوالي الصفحة ٩٠)، يتوقع القرّاء أن يكون البطل قد غرق في مأزق كبير، فقد كان، حتى تلك المرحلة، يتقدّم بخطى ثابتة نحو تحقيق هدفه. لكن مع نهاية الفصل الثاني، تنقلب الأوضاع فجأة، ويجد البطل نفسه محاصرًا، والجمهور يتساءل: “كيف سيتجاوز هذه الكارثة؟”
-في الفصل الثالث، يتوق الجمهور لرؤية البطل وهو يجد مخرجًا ذكيًا من الكارثة التي أحاطت به في نهاية الفصل الثاني. إنها النهاية الحاسمة.
8-كن واعيًا بالتيمة، واحرص على ثباتها طوال السيناريو
فهم عنصر كالتيمة ليس بالأمر الهيّن. عندما أسأل طلابي عن تيمة فيلم Die Hard، عادة يقومون بإعادة صياغة فكرة الفيلم الأساسية أو ما يُعرف في هوليوود بـ “ملخص القصة”، فيقولون مثلًا “إنه عن شرطي يمنع مخطط إرهابي دولي، وينقذ زوجته ومجموعة من الأبرياء.”
ورغم أن هذا صحيح، إلا أنه لا يمس جوهر التيمة.
عندها أتناول الأمر من زاوية أعمق، واقترح عليهم أن Die Hard يدور في جوهره حول رجل يحاول إصلاح علاقته بزوجته. صحيح أن هذا يحدث في خضم عملية سرقة مليئة بالأكشن، لكن في قلب القصة نجد “جون ماكلين” يعيد اكتشاف معنى العائلة، ونرى مقدار الحب والتقدير الذي يحمله لزوجته “هولي”.
9-شاهد أفلام ناجحة تشبه قصتك مرارًا وتكرارًا
ثمة مقولة قديمة في هوليوود “إنهم يريدون الشيء ذاته، لكن بشكل مختلف.”
نظرًا لأن تكلفة إنتاج وتسويق الفيلم الواحد قد تتجاوز 100 مليون دولار، تتحرّى الاستوديوهات الكثير من الحذر في اختياراتها. وما ينعكس عليك ككاتب، أن هؤلاء المشترين ينجذبون بطبعهم إلى القصص ذات الطابع المألوف، لاعتقادهم بأنها الأقدر على استمالة جمهور واسع من أنحاء العالم.
10-اعرف ما الذي يريده بطلك (هدفه)، وما الذي سيحدث إن لم يُحققه (مخاطره)، ومن أو ما الذي يعرقله (خصمه)
فكر في بعض الأفلام التي لم تعجبك، فغالبًا ما يكمن السبب في عجزها عن الإجابة على الأسئلة السابقة.
في فيلم Toy Story 2، “باز يطير” هو البطل الرئيسي، وهدفه أن يقود فريقًا من الألعاب لإنقاذ “وودي” قبل أن يُشحن إلى متحف في اليابان. أما الخصم الرئيسي فهو “آل” صاحب متجر ألعاب آل الشهير، والمخاطر واضحة: إن لم يُنقذوا “وودي”، فلن يروه ثانية أبدًا.
أما في فيلم Jaws، فإجابات أسئلتنا تأتي سريعًا. بنهاية الفصل الأول، نعرف أن قائد الشرطة “مارتن برودي” (بجانب كوينت وهوبر) هو بطل قصتنا، وأن هدفه هو قتل القرش، أما العدو فهو ذلك القرش، والمخاطر التي تواجههم: إن لم يُحقق برودي هدفه، سيفقد المزيد من سكان “آميتي” حياتهم.
11-اترك الجمهور متعطّشًا للمزيد
هذه القاعدة قديمة بقدم عالم صناعة الترفيه نفسه، لكنها لا تزال تحتفظ بأهميتها حتى اليوم كما كانت في مطلع القرن العشرين. جوهر هذه القاعدة هو أن تمنح جمهورك نهاية مشحونة لا تُنسى وتُرضيهم. فالنهاية المتقنة قد تنقذ فيلمًا متواضعًا، بينما قد تفسد نهاية ضعيفة قصة مبهرة.
لذا، هل تحمل ذروة فيلمك العناصر التالية؟
-هل تبدو كخاتمة مُرضية؟
-هل تكشف عن جانب جديد في شخصية البطل أو الخصم؟
-هل تُنهي الصراع الأساسي الذي بدأ في الفصل الأول؟
-هل تتضمن مفاجأة مُرضية ومقنعة؟
-هل تأتي قبل نهاية الفيلم بما يقارب الخمس إلى عشرين دقيقة؟
إن استطاعت قصتك تحقيق هذه العناصر، فأنت تمضي بخطى ثابتة نحو كتابة قصة خالدة تعلق في أذهان جمهورك. بالتوفيق!
المقال أعلاه مقتطف مختصر من كتاب جيفري هيرشبرج بين النور والظل: فن بناء أبطالٍ وخصومٍ لا يُنسون في الأفلام والمسلسلات.
هذا المقال مترجم من موقع Movie Outline
للإطلاع على النص الأصلي: هنا
ناقدة فنية ومترجمة