إذا كنت كاتب سيناريو طموحًا، فمن المحتمل أن تكون رواية القصص ورسم الشخصيات في مرتبة عالية في قائمتك من حيث الأشياء التي يجب أن تعرفها. لستُ من أشدّ المؤيدين لضرورة الالتحاق بمدرسة سينمائية، لكنني أعتقد أنك ربما تحتاج إلى مرشد. قد يكون من الصعب العثور عليه، لكن لحسن الحظ، هناك العديد من المرشدين الرقميين الذين يقدمون النصائح عبر الإنترنت.

أحد هؤلاء هو ريتشارد باورز، الأستاذ في جامعة ستانفورد. وهو مؤلف رواية “The Overstory” الحائز على جائزة بوليتزر، إحدى أكثر روايات هذا العقد إشادةً. ولعلّ أبرز مهارات ريتشارد تكمن في قدرته على بناء الشخصيات. يشارك باورز خبرته الممتدة لأكثر من 40 عامًا، و14 رواية، حول كيفية كتابة شخصيات لا يستطيع القراء نسيانها.

يعتقد باورز أننا جميعًا روائيون في حياتنا. جميعنا نقول: هذا الرجل يتذكر ما حدث بيننا قبل عشرين عامًا، ويحمل ضغينة، أو لم أراه منذ زمن طويل، أتساءل إن كانت تشعر بالحنين إلى الماضي، إلى تلك اللحظات التي لم نسلكها، كما تعلمون، كل تلك الأمور التي نفعلها معًا طوال الوقت. هذه هي المهارات الأساسية التي نستخدمها لبناء الشخصيات عند تأليف القصص.

جوهر السرد: الصراع المحرك

يتعمق باورز في مبادئ القصة، ويجادل بأن كل قصة تحتاج إلى محرك، وهذا المحرك هو الصراع. يُقسّم الروائي الأمريكي الصراع إلى ثلاثة أنواع أساسية، والتي يُمكنك بناء نصك بأكمله حولها:

1- الإنسان ضد الإنسان: 

البطل ضد الشرير، المنافس ضد المنافس. فكّر في فيلم “The Social Network”.

2- الإنسان ضد نفسه: 

بطلك هو أسوأ عدو لنفسه. عيوبه الداخلية هي العائق الرئيسي. فكّر في فيلم “Good Will Hunting”.

3- الإنسان ضد البيئة: 

هذا هو بطلك في مواجهة قوى الطبيعة، أو نظام معطل، أو حتى في مواجهة الكوكب نفسه. إن هذا النوع من ألعاب الكتابة كان سائدًا لفترات طويلة، ولكنه عاد بقوة مع أفلام الخيال العلمي والإثارة البيئية. فكّر في فيلمي “Avatar” و”Children of Men”.

في النهاية، إن معرفة صراعك الرئيسي أشبه بامتلاك بوصلة لسيناريو روايتك. فهو يُحدد مسارك ويُبقي قصتك مُركزة. من هنا، يمكنك بناء الشخصيات التي ستكون في هذا العالم والتي لها معنى في هذه القصة.

الشخصية البصلية: تقشير الطبقات

كما تعلمون، قال “Shrek” إنه كان بصلة قبل حوالي 25 عامًا، ولا أعتقد أنه نال نفس التقدير الذي ناله هذا الرجل من جامعة ستانفورد. لكنني أخالفه الرأي.

يريد باورز أن يصنع شخصية لا تُنسى بمعاملتها معاملةً قاسية. الطبقات الخارجية هي الأشياء السطحية – الطريقة التي ترتدي بها شخصيتك ملابسها، والسيارة التي تقودها، وحواراتها الذكية. لكن السحر الحقيقي يكمن في الجوهر. ما الذي تُقدّره شخصيتك حقًا فوق كل شيء؟ العائلة؟ العدالة؟ البقاء؟

يوضح باورز أن أفضل المشاهد هي تلك التي تضع فيها شخصيتك في موقف يُجبرها على الاختيار بين قيمتين أساسيتين. تُجبرها على خيار مستحيل. هنا تُكشف الطبقات الخارجية، ويتمكن الجمهور من رؤية حقيقة شخصيتك الكامنة.

العثور على صوت شخصيتك

هل سبق لك أن قرأت نصًا يبدو فيه الجميع متشابهين؟ ذلك لأن الكاتب لم يجد الأصوات الفريدة للشخصيات. وللقيام بذلك، يمكنك قراءة الأشياء بصوت عالٍ أو يمكنك محاولة تقليد ممثل أو شخص تريد الكتابة له.

ولمعالجة هذه المعضلة، يؤكد باورز على ضرورة اختيار الكلمات: هل تستخدم شخصيتك كلمات بسيطة ومباشرة أم كلمات أكاديمية عميقة؟ هذا وحده كفيل بكشف كل شيء عن خلفيتها وشخصيتها. ويشدد الروائي كذلك على سلامة البنية النحوية (بنية الجملة) لضمان كتابة شخصية جيدة: هل تتحدث الشخصيات بجمل طويلة ومتدفقة أم بمقاطع قصيرة وواضحة؟

بعد أن تقرر هذه الأشياء، يمكنك تقشير طبقات البصلة المتعددة بكل سهولة واكتشاف كيف يبدو قلبها.

ابتعد عن الحوار الواقعي

إليكم مفارقة يستخدمها باورز من شأنها أن تغير طريقة كتابتك: الحوار الذي يبدو حقيقيًا لا يكون واقعيًا على الأرجح. ولإثبات صحة ذلك: إذا سجّلتَ محادثةً حقيقيةً وقمت بنسخها على الورق، فستكون مليئةً بـ “همم” و”آآآه” والتكرار والنهايات المسدودة. ستكون قراءتها مملة.

يُجادل باورز بأن الحوار في القصة أداة. إنه مُصمَّمٌ بدقة لأداء وظيفة مُحددة: كشف الشخصية، وتطور الحبكة، وبناء التوتر. لكل سطر غرض. إنه وهمٌ بالكلام الحقيقي، وهذا الوهم أقوى بكثير من الواقع.

أعتقد أن هذا صحيح بالفعل، لكن الحوار الواقعي -بالنسبة لأغلب الناس- يعني فقط إبقاء الأمور بعيدة عن الحوار السطحي والمبتذل (On the Nose Dialogue).

بناء التوتر الذي يجذب جمهورك

من أهم مميزات سرد القصص ضرورة وجود جو من التوتر. لا أحد يرغب بمشاهدة المدينة الفاضلة.

يقدم باورز خريطة بسيطة مكونة من أربعة أجزاء لهيكل قصتك، والتي تلائم بشكل جيد فيلمًا مدته ساعتان كما تصلح لرواية مكونة من 400 صفحة:

1- التشويق: 

مشهدك الافتتاحي. اجذب انتباه الجمهور ولا تتركه.

2- العرض: 

ضع الأساس. من هم هؤلاء الأشخاص؟ ما هو العالم؟ نفّذ ذلك بسرعة، ثم عد إلى الحدث.

3- الأحداث الصاعدة: 

هذا هو معظم الفصل الثاني. تُنشئ التشويق بشكل منهجي، وترفع مستوى المخاطر، وتضع العقبات أمام بطلك.

4- الذروة: 

الذروة المتفجرة حيث يصل كل شيء إلى ذروته. بعد ذلك، لديك الحل، أو “فك العقدة”، وهو قرارك الشخصي.

إنها بنية كلاسيكية لأنها فعّالة. إنها خريطة طريق لرحلة الجمهور العاطفية. نتبع هذا النهج في كتابة السيناريوهات أيضًا. في الحقيقة، هناك العديد من النماذج الهيكلية الناجحة، لكن سبب فشل معظم الناس هو عدم إتمامهم العمل. ربما يكون هذا أهم من أي شيء يمكنك تعلمه من باورز. إذا جلستَ فقط، وكتبتَ، وأكملتَ العمل، ستتحسن مهاراتك مع مرور الوقت.

في نهاية المطاف، تُعدّ هذه المقابلة درسًا مُتقنًا في هندسة السرد القصصي. تُذكّرك بأن الكتابة ليست فنًا غامضًا، بل هي حرفة. قم بالعمل وسوف تكافأ. ومن خلال فهم هذه المبادئ الأساسية، من محرك الصراع إلى حيل الحوار، يمكنك التوقف عن التحديق في صفحة فارغة والبدء في بناء قصة متصلة حقًا.

هذا المقال مترجم من موقع No Film School

للإطلاع على النص الأصلي: هنا

مشاركة: