ساعات قليلة وتسدل الستارة عن فعاليات الدورة الـ78 من مهرجان كان السينمائي الدولي، قبلة السينما العالمية، ووجهة كل المهتمين بأحدث الإنتاجات السينمائية من شتى بقاع الأرض. خلال هذه الدورة، تباينت مستويات الأفلام المعروضة في مختلف المسابقات والبرامج الموازية، لتلبي أذواقًا متفاوتة حضرت من مختلف الثقافات والخلفيات. لذا، نقدم في هذا المقال رصدًا لأهم أفلام المسابقة الرسمية، والتي يُتوقع صعودها إلى مسرح الختام.

Sirat .. ملحمة وجدانية بفيلم طريق

مفاجأة مدوية قدّمها المخرج الإسباني الفرنسي أوليفر لاكس في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي هذا العام، من خلال فيلمه الجديد Sirat، الذي أدهش الجميع ونال رضا وإجماعًا نادرًا لم يتحقق مع غيره من أفلام المسابقة. عرفنا أوليفر لاكس من خلال مهرجان القاهرة السينمائي قبل سنوات، حين تُوّج فيلمه ميموزا بجائزة الهرم الذهبي عام 2016، ثم نال جائزة لجنة التحكيم عام 2019 عن فيلمه Fire Will Come. وها هو هذا العام يعود برحلة مدوية عن طقوس العبور، مزيج أسطوري يستلهم من المغرب وإسبانيا والهند وبلاد فارس. حيث الأب ينطلق برفقة ابنه الصغير في رحلة بحث عن ابنته المفقودة عقب حضورها حفلة موسيقية في قلب الصحراء. رحلة روحية وشخصية لا تُنسى.

فيلم طريق تتقاطع فيه الرمزية الدينية مع الأسئلة الوجودية في قلب الصحراء، تختلط فيه الحقيقة بالهلوسة، ويقدم تأمل عميق في معنى الأبوة والمسؤولية من جهة، والانهيار المجتمعي والتمرد على كل شيء من جهة أخرى.

كل ذلك يحدث بأسلوب صادم ومبهر، بصريًا وسمعيًا، مما يجعله تجربة مشاهدة استثنائية، بشرط حضوره داخل قاعة عرض سينمائي مجهزة بأفضل الإمكانات التقنية، وهو ما شدّد عليه المخرج شخصيًا خلال المؤتمر الصحفي للفيلم في “كان”، قائلًا: “فيلمي بمثابة احتفال، إنه احتفال سينمائي بامتياز. نحن ندعو المشاهد إلى تطور حقيقي، وإلى تحفيز جميع مستويات الإدراك لديه”.

Sentimental Value..  سيناريو لن يغيب عن الجوائز

بعد تقديم رائعته The Worst Person in the World، يعود المخرج النرويجي خواكيم ترايير هذا العام بفيلم ذاتي متعدد الطبقات بعنوان Sentimental Value.

تدور أحداث الفيلم حول شخصية المخرج جوستاف بورج (ستيلان سكارسغارد)، الرجل النرجسي الذي تجمعه علاقة فاترة بعائلته، حيث يُربك حياة ابنتيه نورا (رِناته راينسفي) وأجنيس (نغا إيبسدوتير ليلياس) بعد وفاة والدتهما.

وفي خضم ذلك، يعلن جوستاف عن نيّته العودة إلى الإخراج بعد سنوات من الغياب، من خلال فيلم جديد مستوحى من حياة والدته خلال الحرب العالمية الثانية. يطلب من ابنته نورا، وهي ممثلة مسرحية موهوبة، أن تؤدي الدور الرئيسي، لكن بعد رفضها، يُسند الدور إلى نجمة هوليوودية شابة تُدعى رايتشل كيمب (إيل فانينغ)، ما يعيد فتح جراح قديمة ويُشعل توترات بين الجميع.

هو واحد من أفضل أفلام العام دون شك، يمزج بين الفكاهة والتسلية والحسرة، ما جعله من أكثر أفلام المسابقة الرسمية تفاعلًا داخل صالة العرض في مهرجان كان السينمائي. حيث يغوص الفيلم في الصدمات النفسية لأبطاله بلمسة رقيقة، محققًا توازنًا مميزًا بين جودة التمثيل وقوة السيناريو، في حكاية عن عائلة تخفي أكثر مما تُظهر؛ فالجميع يحتفظ بأسراره ويُخفي نواياه، حتى أن المنزل يبدأ في التصدع.

يُعد الفيلم امتدادًا، بطريقة ما، لفيلم خواكيم ترايير السابق، من حيث تناوله للحب والعلاقات ومشكلات الأبوة، ولكن هذه المرة في مرحلة أكثر نضجًا واستقرارًا. وكما فعلها في فيلمه السابق، قد لا يغيب ترايير أيضًا عن منصة التتويج في ختام مهرجان “كان” هذا العام.

Die, My Love.. جينيفر لورانس تتحدى نفسها

واحدة من الأسماء اللامعة في المسابقة الرسمية هذا العام هي النجمة جينيفر لورانس، التي تقدّم فيلمها الجديد Die, My Love من إخراج لين رامسي، والتي شاركت أيضًا في إنتاجه. لورانس قدّمت أداءً مذهلًا يخطف الأنظار، يُعيد إلى الأذهان تجربتها القوية في فيلم Mother!، حيث نجحت في إنقاذ بعض التشتت السردي للفيلم، وبرعت في تجسيد مشاعر التخبط والإهمال أثناء الحمل، وصولًا إلى ما بعد الولادة، بمستوى أداء ينذر بعودة قوية إلى دائرة ترشيحات الجوائز الكبرى هذا العام.

تتمحور أحداث الفيلم حول شخصية “جريس”، كاتبة سابقة تعاني من انهيار نفسي حاد بعد الولادة، ما يؤدي إلى تصدّع علاقتها بزوجها “جاكسون”. القصة، رغم ما تحمله من ألم وقسوة، تأخذ المشاهد في دوامة من الحيرة بسبب أسلوب المونتاج والقفز العشوائي من مرحلة لأخرى.

ولكنها في الوقت ذاته، يظل الفيلم معبّرًا وعاطفيًا، كاشفًا عن جانب مهم من الصحة النفسية للبطلة ومحيطها العائلي، ومسلطًا الضوء على الإحباط الذي تمر به نتيجة غياب الاهتمام والضغوط التي تتعرض لها خاصة النفسية والجسدية.

 

مشاركة: