على مدار فعاليات الدورة الحادية عشرة من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير، نجحت العديد من الأصوات الفنية الشابة من مختلف أنحاء الوطن العربي والعالم في الظهور وإثبات نفسها؛ صُنّاع أفلام شباب يحملون بداخلهم أحلامًا وقصصًا لا بد أن تُروى، حكايات تلامس ذواتهم والعالم من حولهم.

ورغم التحديات، اندفع هؤلاء المبدعون بشغف نحو عالم السينما، الذي يعبّر عن أفكارهم الفريدة والمختلفة، ليتركوا بصمة مؤثرة في قلوب المشاهدين، آملين أن يشق شغفهم طريقه إلى النور، وتتحقق أحلامهم السينمائية في المستقبل القريب.

وخلال الفعاليات، كان لموقع (مشهد 1) هذا اللقاء مع عدد من المخرجين الشباب المشاركين في المسابقات المختلفة بمهرجان الإسكندرية.

فاطمة الغانم مخرجة الفيلم الوثائقي (مسرح الأحلام) – قطر

تقول فاطمة: “الفيلم يروي تجربتي ومسيرتي الرياضية، كوني أول كابتن لمنتخب قطر لكرة القدم النسائية. كل من يعرفني كان يشجعني على طرح هذا الموضوع منذ سنوات، لكنني لم أكن مستعدة وقتها، ولم أتخيل يومًا أنني سأصنع فيلمًا عن نفسي”.

توضح صانعة الأفلام الشابة أن ما شجعها على الكتابة هو استضافة قطر لكأس العالم في 2022، وتسليط الضوء على الحدث ضخم، حيث كان ذلك دافعًا نفسيًا قويًا حفّزها على خوض التجربة.

وتضيف: “من أبرز الصعوبات التي واجهتني خلال الإنتاج كانت في اختيار الممثلين المناسبين للأدوار، إلى جانب العمل على تقليص أيام التصوير مع الحفاظ على التفاصيل الدقيقة في القصة. أما كتابة القصة فكانت تحديًا من نوع آخر، لأنها استدعت عودتي لتلك الفترة من حياتي، وأعادت لي مشاعر لم أسترجعها منذ سنوات، خاصة عندما تركت الرياضة التي كنت أحبها. كانت تجربة صعبة، لكنها في الوقت ذاته ساعدتني على التصالح مع كثير من الأمور التي واجهتها”.

وعن التحديات التي يواجهها المخرجون الشباب، تكشف فاطمة: “في قطر، أغلب المخرجين من النساء، ورغم ذلك هناك صعوبات عديدة، من أبرزها بطء الحصول على الدعم. الأمر قد يمر بمراحل طويلة من الموافقات والتصاريح، وكلما كانت هذه الإجراءات أسهل، زادت فرص تطور وازدهار صناعة الأفلام”.

أما عن طموحها للمستقبل، تشير فاطمة إلى أن هذه أول تجربة لها في عالم صناعة الأفلام، وبالنسبة لها الأفلام الوثائقية هي ما تستهويها، لأنها تسلط الضوء على حكايات وأشخاص تستحق الالتفات إليها، ولكنها أيضًا تحب أن تجرب أنواع أخرى من الأفلام السينمائية.

محمد بيومي مخرج فيلم (خمس نجوم) – مصر

يحكي بيومي: “فكرة الفيلم جاءت من تجربة شخصية مرتبطة بموضوعه. ففي عام 2021، استقليت سيارة مع سائق (أوبر) كان كبيرًا في السن، ولاحظت أنه يتملقني بشكل مبالغ فيه، فظننت في البداية أنه يريد مالًا إضافيًا، لكنني اكتشفت لاحقًا أنه بحاجة إلى تقييم مرتفع على التطبيق ليستمر في العمل مع الشركة. من هنا جاءتني فكرة الفيلم، وبدأت العمل على السيناريو لمدة سنتين، تطورت خلالها الفكرة عدة مرات حتى وصلت إلى شكلها النهائي”.

وبالنسبة للصعوبات التي عايشها خلال رحلة الفيلم، يقول: “رغم كوني طالبًا، إلا أنني عملت كمساعد مخرج في عدد من الأعمال الفنية، مما منحني بعض الخبرة، وساعدني على الاستعداد لمعظم الصعوبات، خاصة في التعامل مع فريق العمل. تمكنت من تحقيق ما أريده في الفيلم بفضل التحضيرات المُسبقة. لكن المشكلة الأكبر التي واجهتني، وتسببت في عدم استكمال التصوير بالشكل الذي كنت أتمناه، كانت إصابة أحد أفراد الفريق إصابة عمل بليغة، مما أدى إلى إلغاء تصوير عدد من المشاهد التي لم تُضف إلى الفيلم”.

ويضيف بيومي أن أغلب المشاكل التي تواجه صُناع السينما، تأتي من عدم وعي بعض الناس بالصناعة نفسها، على سبيل المثال صعوبة التصوير الخارجي، بالإضافة إلى غلاء أسعار المعدات والأجور ومناطق التصوير، وكل ما يخص صناعة الأفلام والتصوير بشكل عام، مقارنة مع قلة الدخل.

وعن طموحه في المستقبل، فهو يتمنى أن يكون له دور في تسهيل كل ما يخص المراحل الإبداعية والفنية لمساعدة زملاءه المخرجين الشباب، خاصة مع عدم توافر الإمكانيات المطلوبة لصناعة الأفلام، وأنه سيسعى جاهدًا أن تتناول أفلامه القادمة موضوعات يؤمن بها وتلمسه بشكل شخصي.

يارا شريان مخرجة فيلم (من إلى) – لبنان

يارا هي صاحبة الفيلم الحاصل على تنويه خاص من لجنة التحكيم ضمن المسابقة العربية في مهرجان الإسكندرية. توضح أن (من إلى) يستند إلى قصة شخصية عاشتها، لكنها غيّرت بعض الأحداث عند تحويلها إلى سيناريو. يحكي الفيلم عن شقيقتين تضطرهما الظروف للإقامة لدى جدّتهما لفترة، بعد زواج والدتهما من رجل آخر غير والدهما. ومن خلال الأحداث، يرصد الفيلم ما تمر به الفتاتان خلال فترة المراهقة، وتجربتهما الخاصة مع العيش في بيت الجدة.

وتقول يارا: “كنت منشغلة كيف أسرد بصدق الفترة اللي قضيتها فعليًا مع جدتي، وكيف أُبرز الصعوبات التي قد تمر بها الفتاتان في هذه المرحلة العمرية، خصوصًا في غياب الأم. ومن هنا جاءتني فكرة أن تأتي فترة الحيض للفتاة الكبرى، بطلة الفيلم، كعنصر محوري. وما تمر به من توتر خاصة وأنها لا تعرف ماذا يحدث معها لصغر سنها. فهذه تجربة قاسية تمر بها كثير من الفتيات في مثل هذا الظرف”.

يُعد هذا العمل السينمائي الأول لـ”يارا”، ومشروع تخرجها من الجامعة، لكن طموحها هو أن تستمر في صناعة الأفلام القريبة لها، لأنها الطريقة الوحيدة التي تستطيع من خلالها التعبير عن نفسها، وكيف عاشت وما الذي تحبه، وما القصص التي تشغلها وتستفزها.

خالد غريب مخرج فيلم (ليل العاشقين) – مصر

يوضح خالد أن فكرة الفيلم مستوحاة من قصة قصيرة بعنوان «ويبقى الأثر»، حيث قام بمعالجتها سينمائيًا، ثم استعان بكاتبة سيناريو لتطوير الفكرة. بعد ذلك، بدأت مرحلة التحضيرات، من تجميع فريق العمل، إلى معاينة أماكن التصوير وغيرها من الترتيبات، واستمر العمل على التحضير لما يقارب 11 شهرًا قبل انطلاق التصوير. ويُعد الفيلم مشروع تخرجه من معهد السينما.

يقول خالد: “اتفقنا كفريق على كتابة ما نريد تنفيذه فعلًا دون قيود، ثم بدأنا في دراسة التحديات الإنتاجية، وهل نمتلك القدرة على تنفيذ هذه الرؤية أم لا. وفي نهاية المطاف، تمكنا من الحصول على دعم من شركة إنتاج، وهو ما ساعدنا على تحويل رؤيتنا إلى واقع”.

وعن أبرز التحديات التي تواجه صُنّاع السينما الشباب، يُشدد خالد على أن الإنتاج يمثل العقبة الأساسية، مضيفًا: “هي مرحلة تُحطّم أحلام الكثير من الشباب، وقد تؤثر مباشرة على جودة الفيلم. بالإضافة إلى ذلك، كثير من القائمين على الصناعة لا يأخذون المخرجين الشباب بجدية، رغم أن لديهم أفكارًا ومشروعات يؤمنون بها، وكل ما يحتاجونه هو الفرصة”.

أما عن طموحه، يقول: “أسعى لتقديم أفلام أصدقها، بغض النظر عمّا إذا كانت ستجذب جمهورًا كبيرًا أم لا. لا أبحث عن موضوعات بعينها أو قضايا محددة، بل عن قصة أحبها وأشعر بها، وأتمنى أن أجد من يشاركني هذا الإيمان ويدعمني. لقد كنت محظوظًا بفريق العمل الذي رافقني في هذا الفيلم، فقد أعطى كل ما لديه كي يظهر الفيلم إلى النور”.

أندرو عفت مخرج فيلم (قفص تفيدة) – مصر

يُعد أندرو صاحب الفيلم الفائز بجائزة هيباتيا الذهبية لأفلام الطلبة، وقد عبّر عن دهشته من الفوز، قائلًا إن “الجائزة كانت مفاجأة بالنسبة لي ولم أتوقعها أبدًا”. أما عن فكرة فيلمه، يوضح إنه مشروع تخرجه من كلية الإعلام بجامعة حلوان، وأنه خلال فترة دراسته كان متأثرًا بشكل كبير بعالم اللوحات الفنية، فكان يحتفظ باللوحات التي تثير إعجابه، حتى وصل عددها إلى نحو 22 لوحة لفنانين عالميين، وقد علقها في غرفته.

ويتابع: “طوال شهرين كنت أحدق في تلك اللوحات محاولًا إيجاد رابط يجمع بينها… قصة ما أو خيط مشترك. فكرت في أكثر من احتمال، لكنني اخترت القصة التي شعرت بأنها الأقرب إليّ”.

وبمجرد أن استقر على الفكرة، بدأ العمل على بناء الشخصيات والأحداث وكتابة السيناريو. وكان أكبر تحدٍ واجهه هو توليه جميع مراحل الإنتاج بمفرده، من كتابة وإخراج وتصوير ومونتاج وتلوين، وحتى الإنتاج، وذلك بسبب محدودية الإمكانيات المتاحة.

وأكد أندرو أن التحدي الأكبر تمثل في الميزانية، إذ لم تتجاوز تكلفة الفيلم 21 ألف جنيه مصري، وهو مبلغ محدود جدًا بالنسبة لصناعة الأفلام، لكنه كان كبيرًا على طالب يحاول توفيره بنفسه. يضيف: “التحدي كان في كيفية توصيل الفكرة وتحقيق الرؤية الفنية ضمن هذه الإمكانيات، مع الانتباه لأدق التفاصيل حتى لا أضطر لإعادة التصوير، وتقليل عدد المشاهد قدر الإمكان لضمان استكمال الفيلم ضمن الوقت والميزانية المحددين”.

أما عن طموحه في المستقبل، فقد أكد على رغبته في تناول موضوعات تهم الشباب، خاصة تلك التي تتعلق بقيمهم، وكيف يمكنهم فهم أنفسهم واكتشاف سر قوتهم، ليصبحوا مؤثرين في محيطهم.

مشاركة: