يُعد السيناريست وائل حمدي من بين الكُتاب الذين يمكن وصف أعمالهم بالتنوع، فقد قدم مزيجًا من الدراما والكوميديا في سياقات مختلفة، بدءًا من برنامج الأطفال عالم سمسم، مرورًا بكوميديا السيت كوم، وصولًا إلى الأعمال التراجيدية والرومانسية.
على مدار نحو عشرين عامًا، تراكمت خبرته، ومع ذلك لا يزال يغامر بتجارب جديدة تستحق الوقوف عندها، إلى جانب آرائه الثاقبة حول المشهد الحالي للدراما. لذلك، كان من المهم فتح نقاش مطوّل معه حول مختلف جوانب الكتابة وتجاربها.
أحدث أفلامك «إن شالله الدنيا تتهد» هو فيلم قصير.. ما الذي يجذبك للعمل في الأفلام القصيرة، وهل ترى أنها منفذ للسيناريست؟
الحقيقة أن الأفلام القصيرة لم تكن في دائرة اهتمامي، وتجربتي معها بدأت متأخرة مقارنة ببداية مسيرتي في الكتابة. أنا أعمل منذ عام 1999 تقريبًا، لكن فيلمي القصير الأول كان في 2020، وهو فيلم «شيفت مسائي». لم تكن لدي تجربة سابقة مع الأفلام القصيرة قبل هذا الفيلم، لكن عندما قابلت المخرج كريم شعبان وكان متحمسًا للعمل على فيلم قصير، تعاونت معه وأحببت التجربة جدًا. وكما ذكرتِ في السؤال، هي بعيدة عن ضغوط الأعمال التجارية أو الأعمال الكبيرة.
بعد تجربة «شيفت مسائي»، تكونت صداقة قوية جدًا مع كريم، ورغبنا في العمل معًا على مشاريع مختلفة، ومن بينها فيلم «إن شالله الدنيا تتهد».
تجربة الأفلام القصيرة تمنح المبدع فرصة للإفاقة والتحرر من الضغوط بنسبة 100٪. أرى أنها ليست بالضرورة أن تكون أفلامًا تجريبية أو مختلفة جدًا، بل أحرص على أن تكون أفلامًا يحب الناس مشاهدتها على نطاق واسع، وتكون لها جمهور يتفاعل معها، كما هو الحال مع الأفلام الطويلة. الفرق يكمن في غياب الحسابات التجارية الكبيرة في هذه الصناعة، مما يجعل الإخلاص للرؤية الفنية أكبر بكثير.
– المتتبع لمسيرتك التي تمتد لنحو عشرين عامًا يلحظ تنوعًا كبيرًا في أعمالك. كيف تتحرك كسيناريست لاختيار موضوعاتك، وما الأسلوب الذي تنهجه في تناولها؟
أعتقد أن الأمر يتعلق بأنني كنت محظوظًا في بداياتي. حيث شاركت في أعمال كثيرة لم تكن من اختياري. كنت أعمل على المتاح، وكان حظي جيدًا لأن المتاح كان جيدًا، مثل الكتابة للأطفال في عالم سمسم أو الست كوم. هذه الفرص سمحت لي بتعلم الكتابة للأطفال والكتابة الكوميدية.
لو كان الأمر بيدي، كنت سأبدأ مباشرة بكتابة الدراما الاجتماعية. بمعنى أن جزءًا من هذا التنوع ارتبط بالمتاح وليس الاختيار.
وفي الحقيقة، يحدث هذا طوال الوقت. حتى اليوم، وبعد 25 عامًا، أكثر من نصف أعمالي تندرج تحت تصنيف “المتاح”. لأن الفرصة لا تتوفر دائمًا لتناول القصص التي نرغب في سردها، وذلك يرجع لأسباب مختلفة، قد تكون إنتاجية أو رقابية أو غيرها. وبناءً عليه، يصبح جزء كبير من عملنا ككتّاب مرتبطًا بأن يختارنا طرف في عملية الصناعة لكتابة عمل معين.
– عملت في مسلسل «موجة حارة» المقتبس عن نص «منخفض الهند الموسمي» لأسامة أنور عكاشة، وتكرر الأمر مع «أنف وثلاث عيون» المقتبس من عمل لإحسان عبد القدوس، أيّ من النصين كان الأصعب بالنسبة لك؟
إلحاقًا بالسؤال السابق، فيلم «أنف وثلاث عيون» لم يكن من اختياري، فقد عُرض عليّ من قبل المنتجة شاهيناز العقاد. كانت متحمسة للرواية واختارتني لأكتب المعالجة السينمائية الجديدة. على العكس، مثلًا في «ميكانو» و«6 أيام» كنت أرغب أنا شخصيًا في كتابتهما. الحقيقة إن نصف ما كتبته للسينما ارتبط بما هو المطلوب والمتاح، بينما في التلفزيون كان أكثر بكثير، وما كنت أرغب في كتابته كان أقل من المطلوب.
وفيما يخص النصين المذكورين في السؤال، مبدئيًا نص «منخفض الهند الموسمي» لم يكن مجهودًا فرديًا، بل كان عملًا جماعيًا، حيث كنت مشاركًا في كتابة السيناريو، وكتبت الحوار لـ8 حلقات من أصل 30 حلقة. لذلك كان أسهل نسبيًا من العمل على نص «أنف وثلاث عيون»، الذي كتبته بمفردي، ما جعله أصعب.
والسبب الآخر في صعوبة «أنف وثلاث عيون» كان وجود معالجة سينمائية سابقة للنص، والتي يمكن اعتبارها ترجمة مباشرة للرواية، وهذا اضطرني للتفكير من منظور: ما الجديد الذي يمكن تقديمه في عام 2024؟
–هناك من وجه نقدًا لفيلمك «6 أيام» بأن أحداثه متشابهة مع فيلم One Day. ما ردك على ذلك؟
أي محلل سينمائي أو ناقد أو متخصص لديه دراية كافية بصناعة الأفلام لن يقول إن هناك تشابهًا بين الفيلمين. قد تتقاطع بعض التفاصيل بينهما، مثل فكرة اليوم المتكرر، لكن البداية والطرح وطريقة التناول وكل التفاصيل الأخرى مختلفة. لكن العلاقة بين البطل والبطلة في «6 أيام» مختلفة تمامًا عن الفيلم المذكور.
وبغض النظر عن الفروقات، أرى أن هذا أمر منطقي الحدوث، لأن طرق السرد ليست كثيرة، وبالتالي من الطبيعي أن يحدث تشابه في أساليب الحكي. ما يمنح العمل أصالته هو تفاصيل الشخصيات والحياة واللحظات الدرامية.
وأؤكد أن فيلم ست أيام يحتوي على تفاصيل غير موجودة في أي من الأعمال التي قورنت معه، وذلك ليس لأنه أفضل منها، بل لأنه مختلف في تفاصيله عنها.
– ما رأيك في أسلوب ورش الكتابة المنتشر حاليًا؟ وأي أسلوب تفضل في عملك ؟
ورش الكتابة ليست ظاهرة حديثة، وربما مر على ظهورها أكثر من 25 عامًا. كنت سعيد الحظ أن بداية عملي تزامنت مع ظهور ورش الكتابة للأعمال التلفزيونية، وسعيد الحظ أكثر بالعمل في الكتابة الجماعية مع خبراء في هذا النوع أثناء شغلي على برنامج الأطفال عالم سمسم.
نمط الكتابة في المسلسلات الأمريكية يعتمد على العمل الجماعي، فكرة أن يكتب كاتب واحد مسلسلًا طويلًا بمفرده غير موجودة لديهم. في الحقيقة، تأخرنا كثيرًا في دخول هذه المنظومة، لأنها الأنسب لإنتاج أعمال ذات جودة مقارنة بالدراما التي تُكتب بأسلوب فردي. ومع كل الحب والاحترام للكُتاب الكبار الذين تميزوا بالكتابة الفردية، مثل أسامة أنور عكاشة، ووحيد حامد، ومحمد جلال عبد القوي، ومجدي صابر، جميعهم أساتذة، إلا أن الكتابة الفردية في المسلسلات مُستنزِفة للمجهود والطاقة والإبداع.
الكتابة الفردية قد تؤدي إلى نتائج ممتازة في بعض الحالات، ومتوسطة أو أقل في كثير من النتائج. على سبيل المثال، أستاذنا أسامة أنور عكاشة كتب نحو 20 مسلسلًا، لكن ما نتحدث عنه دائمًا هي 4 أو 5 مسلسلات فقط. كذلك، بعض الكتاب الذين ينتجون أعمالهم بنفس الجودة نجد أنهم مقلين في الكتابة، مثل وحيد حامد، هو قليل الحضور في التلفزيون لأن كتابة المسلسلات عملية مجهدة جدا.
لا أستطيع فهم نمط الكتابة المنفردة في المسلسلات، وأراه غير طبيعي وليس منطقيًا. لذلك، أرى أن الكتابة الجماعية هي أصل في الكتابة التلفزيونية، ولا خطأ في التعلم منها. ليس خطأ أن نبدأ بطريقة معينة ثم نكتشف أسلوبًا آخر أفضل. هذه الصناعة بدأت على أكتاف مبدعين رواد بحثوا عن أسلوبهم الخاص على مدار 20 أو 30 عامًا، ثم انفتح العالم أمامنا، واكتشفنا العمل بأسلوب آخر، طبيعي بعد المعرفة يحدث تغيير وسيادة لصالح الأسلوب الجديد، لأنه أفضل.
نقطة أخيرة مهمة في مسألة الكتابة الجماعية: لكي لا يُقال “نقلد الأمريكان أو الغرب”، الكتابة الجماعية كانت موجودة في السينما عندنا منذ الأربعينيات والخمسينيات، حيث كان الفيلم الواحد يضم أكثر من كاتب يتشاركون في كتابة السيناريو والحوار والمعالجة. كان الأمر شائعًا جدًا، وبالتالي فكرة العمل الجماعي على السيناريو ليست جديدة على الإطلاق، وهي الأصل والأفضل، مع كامل الاحترام لمن اختاروا الكتابة الفردية.
– برأيك، هل الحلقات القصيرة تقدّم دراما مشبعة أم مجرد تسلية عابرة؟
أرى أن الأعمال المكتوبة بأسلوب كل 3 حلقات أو 4 حلقات قصة مختلفة، لها فورمات لطيف وجيد. والأعمال غير الجيدة من هذا النوع، مثل أي فورمات آخر، لا تتعلق بطول الحلقات أو عددها، وليس هناك عيب في هذا الأسلوب تحديدًا، فهي تشبه أفلامًا متوسطة الطول. فما الفرق بين كل ثلاث حلقات قصة والحلقات المنفصلة تمامًا؟ لقد قدمنا في الماضي أعمالًا مثل «اللقاء الثاني» و«هو وهي»، وكانت ناجحة، ولا يوجد مانع من هذا الأسلوب، فالفيصل هو جودة الكتابة.
الإطار الذي أضع داخله الدراما ليس له علاقة بالجودة. فقد كان لي الحظ أن أشارك في مسلسل «نمرة 2»، حيث كانت الحلقات منفصلة بالكامل، كل حلقة لها قصة وأبطال ومخرج وسيناريست مختلف، وكتبت حلقة في العمل كانت من أحلى ما كتبت في حياتي.
فكرة الفورمات ليس لها علاقة بالجودة نهائيًا. والدليل، على سبيل المثال، مسلسل Black Mirror، حيث كل حلقة قصة مختلفة تمامًا، وهو مسلسل رائع، وكل حلقة فيه تشبه فيلمًا مكتملًا. هناك أيضًا فورمات المسلسلات القصيرة، التي لا تمتلك مواسم، وهي منتشرة في الغرب وناجحة، وتخرج منها مشاريع جيدة جدًا، مثل مسلسل Chernobyl، الذي يُعد عملًا عظيمًا. وآسف لأنني غالبًا استشهد بالأعمال الغربية، لكنها صناعة قوية.
ومن الأمثلة المصرية الجيدة جدًا في هذا السياق، مسلسل «الليلة واللي فيها»، الذي كان رائعًا ومن أفضل المسلسلات المصرية، على الرغم من أنه مؤلف من 6 حلقات فقط.
-برأيك، لماذا اختفى إنتاج مسلسلات “ست كوم” ؟
هذا الفورمات، أي الحلقات المنفصلة المتصلة التي تُعرض بشكل أقرب للمسرح، بدأ ينقرض عالميًا، لأنه استنفد أغراضه في المتعة والفرجة. نمط المشاهدة تغيّر؛ فقد كان الجمهور في الماضي يبحث عن الكوميديا على التلفزيون الرسمي، أما الآن فالكوميديا متاحة على المنصات الرقمية، وأصبحت أكثر جرأة وتشبه الكوميديا في الأفلام.
وهذا أدى إلى أن الكوميديا العائلية الخفيفة، “الكيوت اللي مابتعورش”، أصبحت موضة قديمة، وبالتالي بدأت تختفي تدريجيًا. فالفورمات الكلاسيكي للـست كوم يختفي بشكل عام في العالم كله، لكن الفكرة الأساسية للحلقات التلفزيونية شبه المنفصلة وقصيرة المدة ما زالت موجودة في أعمال مثل «الكبير أوي» و«أشغال شقة»، وهي تنويعات من الـست كوم.
-لماذا يلجأ الكُتاب كثيرًا إلى إعادة إنتاج نصوص قديمة Remake ، أو أعمال مقتبسة، أو فورمات، بدلا من كتابة أعمال أصلية؟
مبدئيًا، الكُتاب لا يختارون. غالبًا ما يقوم المنتجون بتوقيع عقد لشراء حقوق عمل أجنبي وتحويله إلى نسخة مصرية أو عربية، ثم يتعاقدون مع السيناريست. بمعنى آخر، السيناريست لا يذهب ويقول: “أريد أن أعمل نسخة من Everybody Loves Raymond”
هناك شقان للموضوع: الشق الأول يتعلق بسؤال لماذا يختار المنتجون هذا الأسلوب. في تصورهم، هذا الشكل يمثل مغامرة آمنة، لأن الإنتاج دائمًا مغامرة مادية. فإذا كان النص قد تم تجربته سابقًا ونجح، يشعر المنتج بالاطمئنان، لذلك يفضل فكرة الفورمات. أما الشق الثاني يتعلق بجودة الكتابة ودرجة الإبداع في كتابة العمل، وهذا يعود للسيناريست نفسه؛ إلى أي مدى يضع من روحه وتفاصيله ما يجعل العمل قادرًا على الاستقلال بذاته. هذا يختلف من كاتب لآخر ومن شركة لأخرى. بعض الشركات المالكة لحقوق الملكية تضع شروطًا تتعلق بالإشراف على عملية التحويل، وقد واجهت ذلك في تجربتي مع مسلسل «الباب في الباب». في الموسم الأول كانت الشركة متشددة جدًا، ثم أصبحت أكثر مرونة في الموسم الثاني.
على العكس، في تجربتي مع «مفترق طرق» كان لدي مساحة أكبر، وكذلك «طلعت روحي»، فقد أضفت شخصية “إنعام سالوسة” التي لم تكن موجودة أصلاً في النسخة الأصلية. وأنا فخور بهذه الأعمال، رغم أنها فورمات، لأنني وضعت فيها من نفسي. فالأعمال لا تصبح سيئة لمجرد أنها فورمات أو مقتبسة، وإنما حين تكون المشاهد فارغة أو الحوار مفتعل.

صحفية مصرية مهتمة بالشأن الفني