أثار مسلسل «فات الميعاد» جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، نظرًا لتناوله قضية تمسّ العديد من الأسر المصرية، وهي إشكالية قوانين الأحوال الشخصية والعلاقات الزوجية. وقد حظي العمل باهتمام الجمهور، إلى جانب النقاشات التي دارت حول العديد من تفاصيله الدرامية، من طريقة كتابة الشخصيات إلى تتابع الأحداث.
وفي ضوء هذه النقاشات المفتوحة حول المسلسل، والأعمال السابقة لمؤلفه، أجرينا هذا الحوار مع السيناريست محمد فريد، مؤلف «فات الميعاد».
-مسلسل «فات الميعاد» خلق حالة من الجدل الحقيقي على منصات التواصل الاجتماعي، وتباينت ردود الفعل حول الشخصيات والأحداث. كيف استقبلت هذا التفاعل؟ وكيف ترى أثر تناول قضايا الأحوال الشخصية في الدراما؟
الحقيقة أني لا أعرف بالضبط ما الذي يخلق الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، لكن آمل أن المسلسل يكون قد خلق حالة من الجدل الحقيقي بالفعل، وأود أن يكون المشاهدون قد صدقوا بالفعل شخصيات المسلسل، وأحسوا أنهم أشخاصٌ حقيقيون، يمكن أن يكونوا من لحم ودم، وأنهم قد عرفوا في حياتهم أناسًا يشبهونهم، ولم يروا في تلك الشخصيات قوالب جاهزة للتعبير عن أفكار أو مواقف جاهزة، بل أشخاصًا يتصرفون بطبيعتهم الإنسانية التي يمتلك فيها كل شخص خيرًا وشرًا في ذات الوقت. لعل هذا ما دفع المشاهدين لطرح أسئلة عن الصواب والخطأ، والخير والشر، وخلق هذا الجدل الصحي حول أفعال الشخصيات جميعها.
وبالتأكيد، استقبلتُ هذا التفاعل بكثير من الاستحسان؛ فإذا كان هذا هو نوع الجدل الذي أثاره المسلسل، فهو تمامًا ما طمحنا إليه أثناء صناعته: أن يصدق المشاهدون شخصياته، وأن يدفعهم العمل لطرح الأسئلة على أنفسهم وعلى من حولهم بشأن تصرفاتهم ومواقفهم، بحيث يقف كل منهم متأملًا في داخله، وفي مشاعره وتصوراته تجاه ما يطرحه المسلسل من أفكار وانفعالات.
أما مناقشة قضايا الأحوال الشخصية في الدراما، فأنا لا أسعى، ولم أقصد في أي وقت، طرح تلك القضايا بشكل مباشر؛ لأن المناقشة، من وجهة نظري، ليست فعلًا دراميًا في الأساس، بل مكانها في الكتب والمقالات والمحاكم وغيرها من الوسائط. أما في الدراما، فأنا أتعامل مع شخصيات تجد نفسها في موقف درامي، وقد تصادف أن هذا الموقف يلامس قضايا الأحوال الشخصية، لكن بالنسبة لي، هم شخصيات درامية داخل صراع مأزوم، يتصرفون كما تملي عليهم مشاعرهم وضمائرهم وأفكارهم ومعتقداتهم، سواء كان ذلك في حجرة النوم الزوجية، أو في مكان العمل، أو في ساحة المحكمة. فموضوعي هو الإنسان وإنسانيته، لا ما يدور في أروقة المحاكم، التي أراها مجرد موقع درامي شأنها شأن باقي أماكن المسلسل.
–عند الكتابة عن قضية مهمة، تتولد عادة الكثير من الأفكار في ذهن الكاتب. كيف حافظت على تركيزك في رسم الشخصيات والدراما دون أن تنجرف نحو الخطابية المباشرة؟
ما يعنيني بالأساس هو الشخصيات وتفاعلاتها داخل الصراع؛ فالقضية دائمًا تشكّل خلفية الصراع وبيئته، لا موضوعه. الأشخاص والعلاقات وديناميكيتها هم الموضوع الرئيسي، وهم ما يشغل ذهني تمامًا أثناء الكتابة. لذلك، لن تكون مناقشة فكرة أو قضية هي موضوعي الدرامي أبدًا. قد تشغلني هذه القضايا فكريًا وتشكل آرائي في الحياة، لكنها ليست مادة الدراما بالنسبة لي. قد تظهر بعض وجهات النظر من خلال طبيعة العلاقات والشخصيات، لكنها لا توجه الصراع، ولا تُطرح كموضوع مباشر له. ولهذا، لا مجال للخطابية هنا، لأن ما أتناوله ليس القضية الاجتماعية في حد ذاتها، بل البشر وهم يتصارعون ويتفاعلون داخل المجتمع.
-الشخصيات الرمادية كانت سمة أساسية في كتابة مسلسل «فات المبعاد»، كيف استطعت صناعة ذلك على الورق؟
لا أؤمن بما يُسمّى “الشخصية الرمادية”، بل يستفزني هذا المصطلح، لأنه يُحيلني إلى شخصية مائعة أو محايدة أو غير واضحة. أرى أن كل الشخصيات، سواء في الدراما أو في الحياة، هي شخصيات “ملوّنة”، ولكن نسب تلك الألوان هي التي تختلف من شخصية لأخرى، ومن هنا يأتي التمايز الإنساني.
ربما يُقصد بالمصطلح أنها ليست بيضاء ولا سوداء، أي أنها ليست خيّرة أو شريرة بالمعنى المطلق، وهذا — في رأيي — ما ينبغي أن تكون عليه أي شخصية درامية؛ فالطيب المطلق أو الشرير المطلق كائنان لم يوجدا قط، إلا في الإبداع الرديء أو في حكايات الأطفال التعليمية التي تهدف إلى تبسيط مفاهيم الحياة.
أما في العمل الدرامي، فلا بد أن تحمل كل شخصية كل الألوان في داخلها، وأن يُخرج الصراع الذي تخوضه، في كل لحظة درامية، اللون الذي يُناسب قيمها، ومشاعرها، وأفكارها، لتواجه به هذا الصراع وتتفاعل معه.
المهم أن تكون تلك الألوان، داخل كل شخصية، “باليتة” متناسقة ومتسقة، تجعل الشخصية حيّة، وإنسانية، ومفهومة، ومثيرة للتساؤل.
–هل كان لديك قلق من المقارنة مع أعمال أخرى تعرضت لموضوعات الأحوال الشخصية؟
إذا شعر أي كاتب أو مخرج بالقلق لأن موضوعه قد صُنِع من قبل، لتوقفت البشرية عن إنتاج الفن منذ مئات السنين؛ فرؤوس الموضوعات أو الأفكار العامة محدودة في النهاية، لكن ما هو غير محدود هو الإبداع الفني في تناول هذه الموضوعات.
لذا، ما يقلقني حقًا هو العمل على فكرتي نفسها، وأن يحمل هذا العمل قدرًا من الأصالة والجهد الحقيقي. وعندها، يختفي تمامًا ذلك التساؤل حول مدى تكرار الموضوع أو قدمه أو اختلافه.
أما ما صُنع قبل ذلك، فإن كنتُ أعرفه، فهو لا يعدو كونه جزءًا من خبرتي ودراستي وتعلمي، شأنه شأن كل ما أعرفه، سواء تعلّق بالموضوع نفسه أم لا.
–مشوارك يجمع بين مجموعة من الأعمال المميزة، ولكن تختفي لفترات طويلة حتى تعود بعمل جديد، ما أسباب هذا الاختفاء أو الغياب ؟
الظهور دائمًا مرتبط بتوفّر البيئة والظروف المناسبة، بكل عناصرها، ليخرج العمل إلى النور. وتبدأ هذه البيئة بوجود فكرة تستحق أن تُروى، ولا تنتهي إلا بتوفّر كل العناصر التي تؤمن بها، وعلى رأسها المخرج وشركة الإنتاج المتحمّسان للفكرة، والراغبان في صناعتها.
ثم تأتي مرحلة اختيار باقي عناصر العمل، والتوفيق في تشكيلها، حتى يخرج المشروع بالشكل الذي يليق به. أحيانًا يحدث ذلك سريعًا، وبوتيرة متواترة، وهذا ما أطمح إليه دائمًا، وأحيانًا أخرى يستغرق الأمر وقتًا أطول، وهو ما يحدث في معظم الأحيان.
–في وجهة نظرك ما هي الصعوبات التي يواجهها السيناريست في الفترة الحالية وكيف تؤثر على مستوى حريته الإبداعية؟
بيئة العمل في مصر، للأسف، مليئة بالصعوبات، ليس للسيناريست وحده، ولكن لكل عناصر العمل. وأكثر وأهم هذه الصعوبات هو غياب التنظيم الجيد؛ فعناصر العمل يجدون بعضهم البعض بالصدفة، ومن خلال قدرة كل شخص على صناعة شبكة علاقات يستطيع العمل من خلالها. ولكن لا يوجد تنظيم حقيقي للصناعة في أيٍّ من عناصر إنتاجها.
الصعوبة الأخرى الكبيرة هي محدودية جهات الإنتاج، وأن كلًّا منها تملك توجهًا محددًا ومؤطرًا بوضوح. إذا كانت لديك أفكار خارج تلك الأطر المحدودة، فأنت بالتبعية خارج تلك الصناعة. لا تتأثر حرية إبداعك فقط، بل يختفي إبداعك ذاته، وتصبح غير موجود على الساحة.
–في هذا المساء وفات الميعاد وحتى مسلسل المشوار، هناك إثارة نقاشات حول مؤسسة الجواز، هل الموضوع يثير اهتمامك وتراه موضوع خصب للمناقشة لا ينضب؟
في القلب من مشروعي – ليس في المسلسلات فقط، ولكن حتى منذ مشاريعي القصيرة في معهد السينما، سواء التي كتبتها وأخرجتها أو التي كتبتها فقط – العلاقة بين الرجل والمرأة، سواء في طور الزواج ومشتملاته، أو حتى قبل ذلك أو بعده.
ولكن هذا لا ينفي باقي العلاقات الإنسانية، لكنها تكون غالبًا جزءًا مساندًا وداعمًا للعلاقة الرئيسية، التي هي أصل الحياة ومنبتها ومنبعها: وهي علاقة الرجل بالمرأة في أطوارها المختلفة.
-في الفترة الأخيرة، بدأت المسلسلات التي تُعرض خارج الموسم الرمضاني تتخلى عن فورمات الثلاثين حلقة. لماذا لم تختر الدراما القصيرة ذات الـ15 حلقة؟
دائمًا يتم اتهام فورمات الـ٣٠ حلقة بأنها سبب المطّ والتطويل في المسلسلات، أو سبب ضعف البناء الدرامي للأعمال، وهذا اتهام أراه باطلًا تمامًا. فنحن نشاهد مسلسلات عالمية تستمر لأجزاء وأجزاء، وتتخطى حلقاتها الـ٥٠ وتزيد، ومع ذلك تكون غاية في التماسك والروعة. لذلك، أرى أن اختيار الأفكار ومعالجتها هو أصل الداء، وليس الفورمات.
كما أن نمط الإنتاج في مصر هو عامل رئيسي في الأزمات التي تحدث، أكثر من الفورمات المستخدمة؛ فالأعمال تدخل حيز الإنتاج لأسباب لا تتعلق باكتمال كتابتها والتفكير فيها، ولكن حين يتواجد النجم المتحمّس مثلًا، أو نتيجة لاقتراب الموسم الرمضاني، أو وجود موعد عرض محدد. وبالتالي، لا يبدأ صرف المستحقات المالية سوى مع تحقق تلك الشروط، ويكون الوقت قد صار ضيقًا على التفكير في الفورمات والعمل عليها بشكل يسمح بخروجها بصورة جيدة.
–رغم الإشادات بالقصة ومعالجتها، ظهرت بعض التحفّظات بشأن القفزات الزمنية داخل الأحداث. كيف ترى هذا الأمر؟
من حق المشاهدين أن يتحفّظوا على ما يريدون، وقد رأيت في هذه التحفّظات بعض الأشياء الجيدة؛ فقد ارتبط المشاهدون بالشخصيات إلى درجة كبيرة، جعلتهم كما لو كانوا يريدون أن يروا كل لحظة من حياتهم.
وتمرير أي من تلك اللحظات، حتى لو كانت زمنًا ميتًا لا يدفع الدراما إلى الأمام، جعلهم غير مرتاحين. هكذا رأيت ذلك شيئًا إيجابيًا نوعًا ما.
لقد اخترت تلك الطريقة بشكل فني، حيث إن أشخاص الصراع وأحداثه هم من يفرضون أوقات تواجدهم؛ فعندما يوجد الحدث والصراع، تحضر الحكاية، وحين يغيبان، يصبح الزمن ميتًا، ولن يؤدّي وجوده إلا إلى إشعار المشاهدين بالملل، ما لم يكن له سبب جمالي أو فني آخر.
–عملت بمفردك في مسلسل المشوار، وفي ورش كتابة مع أعمال أخرى، أي الأسلوبين تفضل؟
كان معي في المشوار نفس الورشة التي كانت معي في فات الميعاد، وأعمل مع ورشة في معظم الأحيان لأني أرى في كتابة عمل تليفزيوني عمل شاق أكثر من قدراتي النفسية على احتماله وحدي، ربما في أعمال أقصر لن ألجأ إلى الورشة، ولكن ما دام العمل يتخطى الـ ١٠ حلقات فلن أحتمل عدم وجود ورشة.

صحفية مصرية مهتمة بالشأن الفني