خلق شخصيات سهلة التصديق يتطلب وقتًا والتزامًا. ليس من السهل خلق أفراد حقيقيين دون إسقاط أفكارك وانطباعاتك الخاصة عليهم، وهذا غالبًا ما يكون الفارق بين رواية أو سيناريو لا يرى النور، وآخر يشقّ/يجد طريقه ويصل إلى الجمهور. لذا، فإنّ تخصيص وقت لكتابة شخصياتك قبل أن تدخل عالم قصتك يجعل رحلة الكتابة أكثر سلاسة ومتعة، ويُثمر في النهاية عن عمل يتحمّس له الوكلاء والناشرون والمنتجون والقراء.

في البداية، عليك أن تعي أن تعقيد شخصياتك وعمقها ليس وليد الصدفة. فالانضباط والوقت مهمّان بقدر الموهبة، ويجب أن تمارس (يوميًا) فنّ تطوير شخصياتك. وسنقدم لك بعض النصائح، كتبها مسؤول تطوير في شركة LA Film Lab Entertainment (وهي شركة متخصصة في تطوير وإنتاج الأعمال الأدبية)، قام بتطوير بعض الأدوات للمساعدة في خلق شخصيات غنية ومعقّدة.

التعقيد الذي تطمح إليه في شخصياتك يأتي من خلال:

1- تحديد جوهر رغباتهم

2- تحديد جوهر مخاوفهم

3- التعمق في ماضيهم بالتفصيل

4- تحديد أنماط سلوكهم

5- تصعيد التحدي الذي يواجهونه

6- عدم التدخل في حياتهم

7- دعهم يلعبون (يتصرفون بحرية)

طرح أسئلة محفزة للتفكير وفقًا لهذه الخطوات، والإجابة عليها بتمهل ودقة، ثم تكرار العملية، هو ما يحقق نمو فردي مستمر في شخصياتك يُحاكي الحياة. والآن، لنتناول كل خطوة على حدة:

-حدد جوهر رغبات كل شخصية من شخصياتك

أول مفتاح لتعميق عملك هو إيجاد الدوافع الرئيسية في حياة شخصياتك، تلك التي تحرّك أفعالهم. منّ منّا لا يمتلك تطلعات عميقة تدفع اختياراته، أفكاره، تصرفاته، وردود أفعاله؟ هذه الاحتياجات هي ما يُميّز أحدنا عن الآخر، وسنشير إليها باسم “جوهر الرغبة”.

بعض الأمثلة على جوهر الرغبة هذه تشمل: الرغبة في النبوغ الفكري؛ الرغبة في الشهرة الاجتماعية؛ الرغبة في الاختباء من العالم؛ الرغبة في الانتماء إلى مجموعة؛ الرغبة في أن تكون محبوبًا؛ الرغبة في الاحتفال؛ الرغبة في الموت.

-حدد جوهر مخاوف كل شخصية من شخصياتك

ماذا يقبع خلف الجوانب المظلمة في كل شخصية من شخصياتك؟ فلكل رغبة يمتلكونها، لا بد أن يُظهروا أيضًا خوفًا مناقضًا من الفشل في تحقيقها. هذه المخاوف تتصارع مع تطلعاتهم للسيطرة على سلوكهم. إن تحديد الجوانب المظلمة في شخصياتك وفهمها أمر ضروري لبناء شخصياتٍ ذات أبعاد ونواقص كما ترغب.

بعض الأمثلة على جوهر الخوف هي: الخوف من أن يكون الشخص غبيًا؛ الخوف من أن يكون عاديًا؛  الخوف من الانكشاف اجتماعيًا؛ الخوف من الرفض من قِبل الجماعة؛ الخوف من أن يكون مكروهًا؛ الخوف من أن يكون مملًا؛ الخوف من الاضطرار لمواجهة الحياة.

-تعمق في كتابة خلفية شخصياتك الدرامية

يتكوّن السلوك البشري من سلسلة من اللحظات وردود الأفعال تجاه هذه اللحظات. سلوك الشخصية الحالي هو صراع بين الخوف والرغبة، وتُتخذ قراراتها الفورية بناءً على تجارب محددة جدًا (وإن كانت غير واعية) من ماضيهم، تجارب تترك بصمات شبيهة ببصمات الحمض النووي.

ورغم أن شخصياتك عليها أن تكون غير واعية بتلك التجارب السابقة التي تؤثر عليهم، إلا أن عليك ككاتب أن تبتكرهم أثناء تحضيرك لخلفتيهم الدرامية وأن تكون مدركًا لهم تمامًا.

وإليك مثالًا على ما لن يفيدك مقابل ما سيفيدك عند التعمق في كتابة خلفيتهم الدرامية:

مثال سيء على دقة التفاصيل: رايتشيل فتاة جميلة لكنها تظن أنها غير جذابة. تُفضّل العيش في عالم الكتب خاصتها على قضاء الوقت مع الأصدقاء أو العائلة. اعتدى عليها والدها جنسيًا طوال شبابها. تكره الاهتمام.

مثال أفضل على دقة التفاصيل: في يوم تخرجها، في حفلٍ تُقيمه والدتها لها، ظهر والدها المُعتدي جنسيًا وهو ثمل، وهنأها، وعانقها بشدة، وأمسك بمؤخرتها بكلتا يديه، ونعتها بالجميلة أمام غرفةٍ مليئةٍ بأصدقائها وعائلتها. تهرب وهي تشعر بالإهانة، وتلجأ إلى أحد كتبها الخيالية. في تلك الليلة، انتقلت للإقامة مع صديقةٍ لها، ولم تُخبر صديقاتها بمكان ذهابها. بعد أسبوعين، علمت من خلال صديقةٍ أخرى أن والدها تُوفي في حادث سيارة. كان ثملًا.

في المثال الأفضل لكتابة في الخلفية الدرامية بشكل مُفصّل، يمكن للقاريء أن يُبدي استجابة غريزية تجاه الكلمات. هذا الإحساس ناتج عن التفاصيل. أما العمومية الموجودة في المثال السيء هي منطقية، لكنها تخلو من الحياة.

في المثال الأدق، يسهل تحديد ماهية جوهر بطلتنا: الرغبة في الاختباء، وربما حتى في الموت، الرغبة في العيش في عالم كُتبها، الرغبة في أن تُقدّر لذكائها لا لجسدها، الخوف من الوحدة، من مظهرها، من الجنس الآخر، الخوف من فقدان شخص تحبه، ومن الهجر.

-صف سلوكهم الحالي

خُذ الجوانب الجوهرية والأمثلة المحددة التي كوّنتها الآن، وحدد نوع السلوك الذي قد تُظهره شخصياتك نتيجة لذلك. لا تُقيّد نفسك بهذه الاحتمالات، بل دعها تثير حماسك بما تحمله من إمكانيات.

أمثلة بسيطة من بطلتنا، امرأة: تُخفي جسدها؛ تتجنب الأصدقاء من الماضي؛ ترتاب من أي شخص يعلّق بشكل إيجابي على مظهرها؛ ترغب في التحكم في تعليمها وعقلها؛ وتتجنب الكحول.

-تصعيد التحدي الذي يواجهونه

المشاعر متطرفة بطبيعتها. العب ضمن هذا النطاق المتطرف عندما تتعامل مع مخاوف شخصياتك وطموحاتها. هذه الجوانب الجوهرية شاملة؛ أي أنها ترافقنا طوال حياتنا. لا تظلم شخصياتك بالخوف من تصعيد التحدي أمامهم قدر الإمكان.

الحاجة إلى إيجاد حجر كريم لبيعه إلى تاجر أعمال فنية بحلول منتصف الليل لجمع المال اللازم لإنقاذ منزل والدة شخصيتك قبل أن يأخذه البنك منها غدًا، هذا أمر مثير!

انظر إلى حياتك الخاصة، وفكر في مدى جديتك تجاه جوهرك الحقيقي. عندما يتعرض هذا الجوهر إلى التهديد، هل ستقاتل إلى آخر أنفاسك للدفاع عنه؟ وتمامًا كما هو الحال عندما تتحقق، هل تستمتع ببعض أعظم لحظات حياتك؟ تحرك بحرية في هذا النطاق وارفع سقف المخاطر. جوهرك الحقيقي هو مسألة حياة أو موت بالنسبة لك، ليكن كذلك أيضًا بالنسبة لشخصياتك.

-لا تتدخل

عند قراءة هذا العنوان قد تقول لنفسك “كيف لا أتدخل وأنا الكاتب!”

لكن القصة الصادقة تنبع من رغبتك في ترك شخصياتك تتخذ قراراتها بنفسها، بناءً على الطريقة التي رسمتهم بها (والتي ستكون أكثر عمقًا بعد هذه التمارين). وبصفتك والدهم، عليك أن تطلق صراحهم؛ وهذه هي النقطة التي تبدأ عندها قصتك حقًا.

لا تتدخل في حياتهم! ذكّر نفسك باستمرار: الأمر لا يتعلق بك.

دورك هو خدمة القصة فقط! دع شخصياتك تتخذ اختياراتها بنفسها. إذا وجدت نفسك يومًا ما لا تعرف أي قرار قد يتخذونه، راجع عملك السابق وأعد صياغة جوهرهم وسلوكهم وما ينتظرهم على المحك، حتى يتضح خيارهم.

-دع شخصياتك يتصرفون بحرية

بمجرد أن تكون قد طورت عدة شخصيات من خلال تحديد جوهرهم، والتعمق في تفاصيلهم، وتحديد سلوكهم، وتصعيد التحدي الذي يواجهونه، ستكون مستعدًا لأن تدعهم يتفاعلون معًا. الأمر يشبه أول يوم في مدرسة جديدة؛ مليء بالإمكانيات.

عندما تكون الشخصيات مُطوّرة بشكل صحيح، لا يُمكن التنبؤ بسلوكهم في أي موقف، لأنهم ممتلئين بالحياة وبأجنداتهم الخاصة، ومستعدين للتفاعل مع شخصيات أخرى تم تطويرها على نفس المستوى.

إذا كنت أتممت العمل اللازم للوصول إلى هذه المرحلة، فهنا تبدأ شخصياتك في كتابة نفسها.

اتبع هذه الخطوات لخلق الشخصيات الأكثر ثراءً التي تطمح إلى كتابتها.

-ابحث عن الجوهر

لتكتشف الجوهر الحقيقي لشخصياتك، عليك أن تنظر إلى تاريخهم وتكوينهم الوراثي. وكما هو الحال مع الأشخاص الحقيقيين، سلوك شخصياتك الحالي هو مزيج بين الحمض النووي (DNA) والتجارب التي تخلقها في ماضيها. كلنا نمتلك المخاوف والطموحات الأساسية المتعلقة بالبقاء والمأوى والطعام، لذا عند العمل على هذه الجوانب الجوهرية، ركّز على تلك التي تُحرّك كل شخصية. 

فكّر في: العِرق، المعتقدات الدينية، الأحداث المفصلية في الحياة.

تطرّق إيضًا إلى: الجنس والمخدرات والموسيقى والوالدين والإخوة والتعليم والمظهر والذكاء.

ابدأ بكتابة 20 جوهر للرغبة تناسب كل شخصية رئيسية. ثم حدّد نقيضًا واحدًا لكل رغبة لتكوّن 20 جوهر للخوف. عد إلى الوراء وتخلّص من تلك التي لم تعد تشعر بحماس اتجاهها. كرر هذه العملية وحسّنها حتى يكن لديك على 10 على الأقل من كل جوهر لكل شخصية تُثير حماسك حقًا.

-تحري الدقة في كتابة الخلفية الدرامية

كن دقيقًا حول كيفية تكوّن جوهر الشخصية. اخلق لحظات حاسمة في حياة شخصياتك تُظهر بالتفصيل متى بدأت هذه المخاوف والرغبات. واختر لكل جوهر 5 لحظات داعمة من حياة الشخصية، تم فيها اختبار هذا الجوهر وتأكيده.

الفشل يبرر الخوف، والنجاح يبرر الرغبة. اكتب نصًا لا يقلّ عن نصف صفحة يدعم كلًا منهما – نعم، ستكون محصلة الأمر 25 صفحة من العمل على الجوهر. قم بعملك.

10 جوانب جوهرية (رغبة وخوف لكلٍ منهما) × 5 نماذج لكلٍ منها = 50 وصفًا (نصف صفحة لكلٍ منها).

-حدد السلوك الحالي

باستخدام جوهر الشخصية وماضيها المُفصّل، ابتكر عشرة سلوكيات نموذجية لكل شخصية.

مثال بسيط: إذا كانت الشخصية تمتلك رغبة في الاختباء وتخشى التعرض للإذلال العلني، وحدث في ماضيها أن أحد أخواتها كان يسحب بنطالها لأسفل باستمرار أمام الناس. فإن سلوكها الحالي قد يكون ارتداء حزامًا باستمرار، أو النظر دائمًا إلى الوراء في محاولة محددة للغاية لتجنب التعرض للإذلال مرة أخرى.

-تصعيد التحدي

بعد مراجعة الأمثلة التي أنشأتها حديثًا، سيكون من السهل تحديد بعض المشكلات التي قد تحدث في حياتهم وبدورها قد تزيد أو تقلل من توترهم. عادةً ما يُحفّز انخفاض التوتر الناس على المخاطرة، بينما يُزيد ارتفاعه من انفعالاتهم ويجعلهم أكثر عرضة للانفجار.

اذكر خمسة أمثلة لزيادة أو خفض توتر شخصياتك.

-لا تتدخل ودعهم يلعبون

الآن، ضع شخصيتين مكتملي البناء من شخصياتك في نفس الغرفة. قم بتطبيق اثنين أو ثلاثة من محفزات التوتر على أحدهما، واثنين أو ثلاثة من محفزات خفض التوتر على الأخرى، ثم دعهما يتفاعلان مع بعضهما البعض.

ابدأ هذا التمرين دون أي توقعات مسبقة عما قد يحدث. إذا كنت قد أتممت عملك كما يجب، فإن الشخصيات ستؤثر على بعضها البعض.

*إذا كنت بحاجة إلى دفعة، فأضف عنصرًا يحتاجه أحدهما من الآخر، وقدم للآخر سببًا قويًا لعدم رغبته في توفير ما تحتاجه تلك الشخصية. يمكن أن يكون هذا العنصر ماديًا أو عاطفيًا.

هذا المقال مترجم من موقع Movie Outline

للإطلاع على النص الأصلي: هنا

 

مشاركة: