هل سألت نفسك من قبل ما الذي يجعل شخصية “الجوكر” أكثر تشويقًا من “باتمان”؟ أو ما الذي يُميز “هانز لاندا” عن بقية “الأوغاد المجهولين/ Inglourious Basterds”؟ أو ما هو سر جاذبية سيرسي لانستر التي تكاد تضاهي جون سنو؟ .. هل فكرت يومًا ما الذي يتوجب على كاتب السيناريو فعله لجعل شخصيته الشريرة جذابة إلى هذا الحد؟ لا، الأمر لا يتعلق بإعطاء شريرك تاريخ شخصي مأساوي أو جعلها شخصية يسهل التعاطف معها. إنه شيء أعمق وأقوى بكثير.

يجادل كاتب السيناريو جيمس أ. هيرست، أنه إذا كنت تريد لفيلم أو لحلقة تلفزيونية أن تعيش طويلاً في أذهان الجمهور، أو تنجح في جذب بعض الممثلين الرائعين، فهناك أربعة مبادئ أساسية لجعل بطلك الشرير لا يُنسى.

إن أول سيناريو قمت بكتابته كان فيلم حركة مبتذلًا. ماذا عساي أن أقول؟ كان ذلك في التسعينيات. على أي حال، ظننت أنني أتقنته. كما تعلمون، كان لديّ العديد من مشاهد الانفجارات، ومطاردات السيارات، وشخص شرير. ثم عرضت هذا السيناريو على بعض الأصدقاء، وكان لديهم جميعًا نفس الفكرة. فكرة رائعة، ولكن ما قصة شريرك؟ ما الذي يدفعه للقيام بذلك؟ لماذا يتصرف على هذا النحو؟ وكان جوابي، لا أعرف، لأنه شرير؟

أعترف، لم أفهم الفكرة. كنت أعتقد أن الأشرار مجرد أشرار. لماذا نبالغ في التفكير؟ ثم شاهدت فيلم “صمت الحملان/ Silence of the Lambs”.

إن “هانيبال ليكتر” ليس مجرد قاتل مختل عقليًا. إنه ذكي، مثقف، وساحر بشكل غريب. ليس موجودًا ليقف في طريق “كلاريس”، بل إنه بمثابة مرشدها خلال رحلتها. يدفعها لمواجهة شياطينها ويساعدها كي تنضج. بعد مشاهدة فيلم “Silence of the Lambs”، استطاع تغيير فهمي لما يُصنع الشرير العظيم. كما تعلمون، الأمر لا يتعلق بما يفعلونه حقًا. بل يتعلق بطريقة تفكيرهم، وهذا ما يقودني إلى نصيحتي الأولى: الأشرار يؤمنون بشيء ما.

1- أعطهم إيمانًا مُقنعًا

الأشرار العظماء ليسوا أشرارًا فحسب، بل يؤمنون بشيء ما. “جوكر” هيث ليدجر، على سبيل المثال، يعتنق الكثير من الأفكار من فريدريك نيتشه. إنه أقرب إلى نسخة مظلمة وفاسدة من نيتشه، حيث يعتقد “الجوكر” أن الأخلاق البشرية بيت من ورق على وشك الانهيار.

عندما تفكر في الأمر، ستجد أن “الجوكر” يشترك في الكثير مع “هانيبال ليكتر”. أعني، بالطبع، يبدوان مختلفين تمامًا للوهلة الأولى؛ يبدو أحدهما كمدمن ميثامفيتامين غارق في موضوع ساخن بين عشية وضحاها، والآخر كمن ترجم عبارة “أنت ما تأكله” حرفيًا. لكن في أعماقهما، هانيبال والجوكر هما من نفس القماشة، كلهما يعتبران نفسيهما مستنيرين. يعتقدان أنهما قد دُفعا إلى حقيقة الإنسانية القبيحة. لا يكتفيان باحتضان هذا الظلام، بل يريدان كشفه لطلابهما المميزين.

هل تعلمون المثل القائل: “عندما يكون الطالب مستعدًا، يظهر المعلم؟”.. هكذا يرى “الجوكر” علاقته بـ”باتمان”، وكذلك يفعل “هانيبال” مع “كلاريس”. يرى ليكتر في كلاريس عقلاً مُهيأً لإرشاده. من خلف سجنه الزجاجي، يُصوّر نفسه كحكيم الظلام الذي لم تكن تعلم أنها تبحث عنه، مُثبتاً أن أخطر أنواع التعليم غالباً ما يبدأ عندما نبحث بيأس عن إجابات.

لذا، باختصار، إليك ما مجموعة من الأسئلة يجب أن تفكر بها بشأن شريرك:

– ما هي معتقدات شخصيتي الشريرة التي تُخالف كل ما يُمثله بطلي؟

– لماذا يحتاج شريري إلى البطل ليرى الأمور من وجهة نظره؟

– كيف يكون شريري نقيض بطلي تمامًا؟

هذه خطوة أولى رائعة، ولكن يُمكننا التعمق أكثر. من الرائع أن تُعطي شريرك معتقدًا مُقنعًا، ولكن ماذا يحدث عندما تخطو خطوة أبعد؟ ماذا يحدث عندما تُقلب الأمور رأساً على عقب؟

2- الأشرار يرون أنفسهم أبطالًا

أكثر الأشرار الخالدون لا يعتبرون أنفسهم أشرارًا على الإطلاق. في أذهانهم، هم الأبطال. ولنكن صريحين، الأشرار العظماء لديهم سمات قد تجعلهم أبطالاً. خذوا “غاس فرينج” من مسلسل “Breaking Bad”. إنه منضبط، منهجيّ، صبور. فهو ليس شريرًا بالمعني التقليدي، بل صاحب رؤية. وحشيته ليست قسوةً، بل دقة. الدم في يديه هو ببساطة ثمن خلق شيءٍ يدوم في عالمٍ لا يدوم فيه شيء.

حسناً، ماذا يحدث عندما تُطبّق هذه الصفات الجذابة، والتي تكاد تكون فاضلة، على شريرٍ يفوق البشر؟ إن شخصية “ثانوس” من عالم مارفل السينمائي، مثلها كجميع الديكتاتوريين، يرى نفسه الوحيد الشجاع بما يكفي لحل مشكلةٍ خطيرة. إن مصدر قوة “ثانوس” ليس مجرد قوته الخارقة أو ذقنه المرعبة، بل عبء كونه الوحيد القوي بما يكفي لفعل ما يراه ضروريًا. “ثانوس” مخطئ تمامًا، لكن ما يجعله مؤثرًا للغاية هو قناعته بأنه على حق.

بينما يعتقد “ثانوس” أن الكون بحاجة إلى التوازن، يُقاتل بعض الأشرار من أجل العدالة التي يعتقدون أنها مُنعت منهم. وهذا ما يجعل شخصية “كيل مونجر” في فيلم “Black Panther” آسرة للغاية، ومغلفة بألم حقيقي.

في أحد مشاهد الفيلم، يخبر “كيل مونجر” غريمه “تشالا”، أن يدفنه في المحيط مع أسلافه الذين قفزوا من السفن لأنهم عرفوا أن الموت أفضل من العبودية. وهذا يُنذر بشيء تجاهله البطل سهوًا، وهو أن “واكاندا” -على الرغم من عظمتها- أدارت ظهرها للمعاناة في جميع أنحاء العالم. وفي النهاية، ينصت تشالا لنظرية كيل مونجر، بدلاً من تجاهله. ونتيجةً لذلك، تُنهي واكاندا انعزاليتها، ويتولى النمر الأسود دوره القيادي في العالم. وهذا ما يجعل صراع الفيلم لا يُنسى. يُغير نقد كيل مونجر شخصية تشالا للأفضل.

لذا، باختصار، إليك بعض الأسئلة لتطرحها على نفسك:

– ما هي الصفات البطولية التي يمتلكها الشرير؟

– كيف يُمكن أن تكون دوافعه معقولة أو حتى نبيلة؟

– ما هي الحقيقة المُزعجة التي يُجبر الشرير بطلك على مواجهتها؟

إن تصوير الشخصية الشريرة كبطل قصته الخاصة يُضيف طبقات من العمق المطلوب. ولكن إذا كنت تريد أن يُثير الشرير الخوف في بطلك، فعليه أن يُؤثر بك بعمق. ومن الأفضل لاستهداف نقاط ضعف بطلك أكثر من شخص يعرفها جيدًا؟

3- الأشرار يستهدفون نقاط ضعف البطل

إن أكثر الأشرار تدميرًا لا يخلقون تهديدات خارجية فحسب، بل يستهدفون ما يهم البطل أكثر من غيره. عندما يكتشف الشرير أعمق نقاط ضعف البطل ويستغلها، يصبح الصراع شخصيًا للغاية. هذا غالبًا ما يعني مهاجمة إحساس البطل بهويته.

تأمل شخصية “تيرينس فليتشر” من فيلم “Whiplash”. إن “فليتشر” يفعل ما هو أسوأ بكثير من مجرد انتقاد عزف “أندرو” على الطبول، إنه يُحطم نفسيته. إن كمالية “فليتشر” القاسية ليست مجرد تدريب قاسٍ، إنها حرب نفسية.

فليتشر هو الشرير الذي يعرف تمامًا كيف يؤذي أندرو بطرق لا يستطيعها أحد غيره، من خلال مهاجمة شغفه وهدفه، بل وأكثر ما يُقدّره، هويته كموسيقي. وهنا عليك أن تواجه نفسك ببعض هذه الأسئلة:

– هل يعرف شريرك نقاط ضعف بطلك؟

– كيف يمكن لشريرك أن يجعل هجماته شخصية للغاية؟

– كيف سيُغيّر شريرك هوية البطل؟

إن الشرير الذي يستطيع مهاجمة بطلك على المستوى الشخصي قوي جدًا، ولكن هناك خطوة حاسمة أخرى، وهي: إطلاق العنان له.

4- الأشرار هم قوى لا يمكن إيقافها

لكي تتمكن من جعل شريرك مقنعًا حقًا، يجب أن يكون أكثر من مجرد عقبة، بل قوة لا تُقهر. انظر إلى “آمي دان” من فيلم “Gone Girl”. لم تكتفِ بالرد على خيانة زوجها، بل دبرت اختفائها، واتهمته بالقتل بدقة متناهية، وقلبت الرأي العام ضده. كل منعطف في القصة مدفوع بأفعال “آمي”، لا بأفعال “نيك”. إنها تتوقع كل حركة من حركاته، وتثبت الأدلة بدقة مرعبة، وترسم ملامح السرد من البداية إلى النهاية. “آمي” لا تتفاعل مع القصة، بل هي من تقودها.

سيرسي لانستر من مسلسل “Game of Thrones” مثال رائع آخر على شخصية الشرير النشط. إن ما يجعل “سيرسي” آسرة هو مبادرتها الحثيثة. عندما يعترضها أحد، لا تدافع عن نفسها فحسب، بل تخطط لتدميره بمنهجية. لذا، الشرير القوي يلعب الشطرنج، بينما بطلكِ يلعب الدامة (لعبة شعبية بسيطة) فقط.

لكن هذا لا يعني أن تجعل بطلكِ ضعيفًا خائفًا، بل على العكس تمامًا. الهدف من الشرير العظيم هو إجبار بطلك على تجاوز حدوده. أو كما يقول روبرت ماكي، لا يمكن لبطل القصة أن يكون آسرًا فكريًا ومؤثرًا عاطفيًا إلا بقدر ما تجعله القوى المضادة.

لذا، أثناء ابتكارك لشخصية الشرير، اسأل نفسك هذه الأسئلة:

– ما هي المعتقدات التي تحرك بطلي الشرير؟

– هل يعتقد الشرير أنه بطل القصة؟

– كيف يمكن للشرير أن يجعل هجماته شخصية للغاية بالنسبة للبطل؟

– كيف يقود الشرير القصة بشكل استباقي؟

إن الإجابة على هذه الأسئلة، ستساعدك بالتأكيد في ابتكار شخصيات شريرة لا تُنسى، تبقى مع جمهورك لفترة طويلة بعد انتهاء العمل.

 

هذا المقال مترجم من موقع No Film School

للإطلاع على النص الأصلي: هنا

 

مشاركة: