تبدأ الحكاية بحلم، أو شغف، أو نستطيع القول إنها “نداهة” تُمسك بتلابيب فؤاد الإنسان، وتجذبه نحو عالم تملؤه الشخصيات. وحكاية اليوم لكاتب شاب أحبّ السينما، وكرّس لها وقته بأكمله، فدرسها ذاتيًا، وغاص في أعماقها إلى جوار دراسته الأساسية. ومع مرور الوقت، أدرك الواقع، وشعر بأهمية المغامرة والركض وراء التجربة، ولم يقف في مكانه ينتظر الفرصة، بل لاحقها في كل مكان حتى اقتنصها. نتحدث عن الكاتب محمد الدباح، الذي يستعد خلال عام 2025 لصناعة فيلمه الثاني مع نجم الشباك الأبرز في السينما المصرية حاليًا، كريم عبد العزيز، بعد تعاونهما في «بيت الروبي».
ولأن التجربة لا تكتمل إلا بسماع صوت صاحبها، كان لنا حديث متعمّق مع الدباح، حيث سمح لنا بجولة عن الكتابة والصعوبات والمنغصات في بعض الأحيان…
-درست في كلية التجارة، ولكن قررت أن تدخل عالم الفن.. كيف كان هذا القرار وما كواليسه؟
بالفعل، قد درست في كلية التجارة، ولكن أثناء دراستي اتخذت قرارًا مبكرًا بأن هذا المجال ليس لي، لأنني أحب السينما منذ صغري، وكان لديّ أفكار كثيرة وأتمنّى أن أصنع أفلامًا. وبالفعل، صنعت “معسكرًا ذاتيًا” خاصًا بي، ودرست السينما ذاتيًا. وداخل هذا المعسكر شاهدت عشرات الأفلام، منذ عام 1929 وحتى وقتنا الحالي، وقرأت العديد من الكتب عن الإخراج. كان معسكرًا موازيًا لدراستي الأساسية.
عقب التخرّج، جاءت مرحلة الأفلام القصيرة، وصنعت بالفعل أول فيلم باستخدام الهاتف المحمول، وشاركت به في مهرجان مخصص لسينما الموبايل، كانت تقيمه الشركة العربية (التي تمتلكها إسعاد يونس)، وحصلت على المركز الأول كأفضل مخرج وأفضل فيلم. وبعد هذه الخطوة، قررت فتح استوديو خاص بي لصناعة الأفلام القصيرة، بالشراكة مع أحد أفراد عائلتي المهتمين بالسينما. قمنا بشراء كاميرات، وبدأنا في صناعة أفلام قصيرة، ومساعدة صُنّاع آخرين في تنفيذ أفلامهم. وهكذا ظل الوضع لمدة عامين في مدينة الإسكندرية. وذهبت للكثير من المهرجانات في البرازيل ولبنان وغيرهما، وهذه المرحلة، إلى حد ما، جعلتني أجرب وأنفّذ أفكارًا خارج الصندوق، وحققت لي إفادة كبيرة على مستوى اختبار نفسي في هذه الصناعة، وتعلّمت منها الكثير.

السيناريست محمد الدباح
– البداية ككاتب جديد على الساحة، كيف كانت ومتى جاءت نقطة الانطلاق الحقيقية؟
مع أواخر العامين، اكتشفت أن كل شيء يتكرّر، ولا يوجد أي شيء يتحرّك للأمام، خاصة أننا لا نملك أشخاصًا في الصناعة يتابعون النشاط والحراك وإنتاجات الأفلام القصيرة ويستثمرون فيها بشكل جيّد. وهكذا أصبحتُ في دائرة: أكتب فيلمًا، ثم أنفّذه، ثم تأتي مرحلة التقديم للمهرجانات، والعرض، والندوات، ثم… لا شيء. وشعرت أنني سأظلّ هكذا طوال حياتي. وهنا قرّرت أن أغلق الاستوديو، وأبيع نصيبي من الكاميرات والمعدّات، وأسافر بهذا المبلغ المالي إلى القاهرة، بحثًا عن طريق جديد.
كان لديّ حيرة في البداية: هل أدخل الصناعة كمخرج أم كاتب؟ لكن شعرت أن الدخول كمخرج سيأخذني إلى مسار لا أريده؛ متدرّب، ثم مساعد مخرج ثالث، ورحلة طويلة للغاية. بينما الكتابة كانت بالنسبة لي شيئًا ممتعًا، وتعتمد على ذاتي، لا على عوامل أخرى من حولي.
وقبل التحرك نحو القاهرة، مكثت مع نفسي لمدة سبعة أشهر وكتبت مسلسل «تحقيق». فكرت أنه من الأفضل أن أتحرّك وأنا أمتلك مشروعًا كتبته بالفعل، ثم بدأت رحلة البحث عن شخص يتحمّس للمشروع. قابلت الكثير من الأشخاص، وجمعت ردود فعل متنوّعة، وقيل لي إن فكرة المسلسل معقّدة، لكن نتيجة إعجابهم بأسلوبي في الكتابة، سلكتُ مسلك ورش الكتابة.
عملت مع الكاتب هشام هلال، وتعلّمت منه الكثير، ثم عملت مع الكاتب صلاح الجهيني، وأخذت لفة طويلة في موضوع الورش، استمرت تقريبًا سنة، حتى التقيت بتامر مرتضى، الذي تحمّس لمسلسل «تحقيق».
كانت مدة العمل على مسلسل «تحقيق» ثلاث سنوات. كنت أحضر التصوير بشكل يومي، من فتح العدسة وحتى مرحلة الفيركش، ولم أكن أفعل أي شيء غير ذلك. حضرت كل مراحله، وكان المسلسل هو السبب في تواصل محمد إمام معي لنخرج بمشروع «شمس الزناتي».
– ما الصعوبات أو الأفكار التي تواجهك بشكل أساسي وقت كتابة أي سيناريو؟
في بداية الكتابة يكون هناك تحدٍ يُسمى “شبح الورقة البيضاء”، لا تدري من أين تبدأ. وفي مرحلة اكتشاف الشخصيات والأحداث، تكون المسودة الأولى صعبة جدًا، والتعديلات مزعجة للغاية، وليس شرطًا أن تكون التعديلات من طلب المخرج، فقد تأتي أحيانًا بسبب جهة الإنتاج.
هناك طريقة أحبها في الكتابة، وهي “الكيفية”، بمعنى تتابع كيفية وقوع الحدث (مثلًا: كيف يقتل فلان فلانًا، ولماذا، وما منطقه، وكيف يهرب ويخفي الجريمة). عند تنفيذ هذا التتابع، يُقال لي: ما جدوى كل هذه المشاهد؟ وأجد نفسي أدخل في نقاشات حول وجهة نظري لأشرح فقط أهمية هذه المشاهد، وأن وجودها ليس هباءً، لأن في وجهة نظري “الصياعة في التفاصيل”.
الذي يزعجني أيضًا موضوع التبسيط، وهذا مرتبط بالنقطة السابقة. ينظر البعض إلى الأمر وكأننا بحاجة دائمة إلى التبسيط لكي يفهم الناس، وهذا ليس صحيحًا دائمًا، لأن هناك نوعًا من الأعمال يحتاج إلى التفاصيل، لكن هناك دفع مستمر نحو تبسيط المعلومات والتفاصيل والكلام تحت بند “المشاهد هيمل”.
-“وجود نجوم شباب جدد على الساحة أتاح مساحة أكبر للكتاب الجدد لتقديم أفكارهم وقصصهم”، ما رأيك في هذه العبارة؟
وجود نجوم شباب مهم بالتأكيد وطبيعي، ويساعد كثيرًا على إتاحة الفرصة للكُتاب كي يسردوا حكايات تناسب الشباب الصغير، وأعتقد أن هناك العديد من المواضيع الشبابية التي تحتاج إلى وجوه شابة للتعبير عنها.
-هل لديك توجه معين في الكتابة، مثل الميل إلى الموضوعات الاجتماعية؟
ليس لدي توجه نحو الموضوعات الاجتماعية، وأشعر أن هذا الوصف غريب ولا أحبه على المستوى الشخصي. هناك الدراما الكوميدية والدراما الرومانسية وغيرهما، وكلمة “اجتماعي” مصطلح غريب بالنسبة لي. أعتقد أن لدي تنوعًا في موضوعاتي ولست محصورًا في إطار معين، فأنا أميل إلى التنوع.
-في تصريح سابق قلت “لا تشغلني الإيرادات”، إذًا كيف تقيس نجاحك كمؤلف؟
يشغلني ككاتب أن يُحب الجمهور الفيلم، والإيرادات شيء مهم وتشغلني، فهي مؤشر على نجاح العمل، ولكن ليس إلى الدرجة التي تجعلني مهووسًا بها أو تجعلها هدفي الأول الذي أسعى لتحقيقه فقط. لأن هناك أفلامًا كثيرة مهمة في تاريخنا لم تحقق إيرادات، لأن للإيرادات عوامل أخرى بعيدة عن جودة الفيلم، مثل توقيت العرض والنجم الموجود على الأفيش والمنافسين في نفس التوقيت. وعامةً، عندما أعمل فيلمًا لنجم كبير، أحب أن يكون فيلمي من ضمن الأعمال الجيدة التي قدمها.
جدير بالذكر أن عام 2025 يشهد تألقًا متزايدًا للكاتب محمد الدباح، الذي خطا خطوات مهمة تركت بصمة واضحة لدى الجمهور. بدأ الدباح مسيرته بكتابة قصص مصورة للأطفال، ثم خاض تجارب سينمائية قصيرة، منها فيلمه الأول «مجرد». أما أولى تجاربه الروائية الطويلة فكانت مع فيلم «بيت الروبي» عام 2023، بطولة كريم محمود عبدالعزيز وكريم عبدالعزيز، الذي حقق إيرادات تجاوزت 130 مليون جنيه، مقدّمًا معالجة فنية لقضايا منصات التواصل الاجتماعي وتأثيرها الواسع والمبالغ فيه على حياة الأفراد.
وكان أول مسلسل يكتبه الدباح منفردًا هو «تحقيق» ذي الطابع البوليسي، بطولة أحمد مالك، تارا عماد، خالد أنور، وهدى الإتربي. كما شارك في كتابة مسلسلات أخرى مثل: «السهام المارقة» و«إلا أنا». مع بداية عام 2025، برز نشاط الدباح بشكل أكبر في السينما من خلال ثلاثة أعمال جديدة. فقد عُرض له بالفعل فيلم «سيكو سيكو»، الذي حقق نجاحًا كبيرًا بإيرادات وصلت إلى 137 مليون جنيه، رغم أن بطولته كانت لوجوه شابة غير الأسماء المعروفة في شباك التذاكر. بالإضافة إلى ذلك، يعمل حاليًا على فيلمين من تأليفه، وهما فيلم «شمس الزناتي» بطولة محمد إمام وإخراج عمرو سلامة، وفيلم The Seven Dogs، وهو أول فيلم يُصور في استديوهات الحصن Big Time في السعودية، ويشارك في بطولته أحمد عز وكريم عبدالعزيز، من إخراج عادل العربي.

صحفية مصرية مهتمة بالشأن الفني