يضم موسم دراما رمضان كل عام عددًا كبيرًا من المسلسلات المتنوعة من حيث ثيماتها الدرامية، ولكن هناك نوعًا خاصًا بنا في مصر، ربما لن نجده في أماكن أخرى، وهو تقديم ثيمة البطل الشعبي. ظهرت هذه الثيمة في السينما، ورأيناها متجلية في أعمال فريد شوقي قديمًا، ثم انتقلت إلى التلفزيون، وأصبحت من أكثر الأنماط جذبًا للجمهور، حيث يحقق الممثل الذي ينتمي إليها غالبًا نجاحًا مُرضيًا. لكن مع مرور الوقت وتكرار الأعمال داخل السياق نفسه، انقلب الوضع من الترحيب إلى النفور، مما ترك مساحة لمحاولات جديدة نحو التجريب بعيدًا عن النمطية الشديدة التي وقع فيها الممثلون.

فخ التنميط الذي وقع فيه البعض

قدم كثير من الممثلين شخصية الرجل الشعبي، مثل محمد رمضان، وعمرو سعد، ومصطفى شعبان، وأحمد العوضي. وعند تحليل اللغة البصرية والحوارية للشخصيات التي قدموها، نجد عدة عوامل مشتركة ومتكررة، مثل: الصوت المرتفع الذي يقترب من الصراخ في كثير من الأحيان، تعبيرات الوجه التي تحمل تشنجًا واضحًا، اللزمات الكلامية مثل “وحش الكون”، “أبيض على الأبيض”، “على الله حكايتك”، وغيرها، إضافة إلى لقطات الأكشن التي غالبًا يستطيع فيها البطل هزيمة عدد كبير من أعدائه والانتصار عليهم.

أما على مستوى الكتابة، فعادة ما تكون شخصية البطل الشعبي عبارة عن رجل سُلب حقه ويحاول استعادته، أو يسعى للانتقام، أو يدخل في صراع مع البطل الضد (الشرير) الذي تسبب له في أذى، لتنتهي القصة غالبًا بتحقيق العدالة والانتقام واستعادة الحق المسلوب، مع اختلاف سياق الأحداث أحيانًا وتشابهها أحيانًا أخرى.

هذا التكرار الذي تدور داخله ثيمة البطل الشعبي منذ أكثر من عشر سنوات، في مسلسلات مثل (البرنس، زلزال، ضرب نار، فهد البطل، ملوك الجدعنة، توبة، أيوب، بابا المجال، وغيرها)، خلق حالة من الرتابة والنمطية، حيث أصبح المشاهد قادرًا على توقع مسار الأحداث والحبكة وبعض مواقف البطل بمجرد مشاهدة البرومو الخاص بالمسلسل.

لا يتوقف الحديث عن التنميط عند شخصية البطل الشعبي فقط، أو ثيمة الانتقام السائدة في المسلسلات، بل يشمل أيضًا اختيارات الأدوار التي يميل إليها الممثلون. على سبيل المثال، في الدراما الصعيدية، غالبًا ما تدور القصص حول الرجل الصعيدي تاجر المخدرات/الآثار/السلاح، مع مبالغة بصرية في (الملابس، اللهجة، وأماكن السكن)، مما يجعل الصورة المقدمة على الشاشة بعيدة كليًا عن الواقع السائد في القرى الصعيدية.

كما تغيب روح المغامرة والبحث عن عوالم جديدة في الدراما، حيث تدور أغلب الأحداث داخل عالمين أساسيين (الحارة والكومباوند)، متجاهلةً الطبقات الكثيرة بينهما والتنوع داخل هذه الطبقات، وكأن الأعمال أصبحت إعادة تدوير لأفكار سابقة. على سبيل المثال، نجد تقاطعًا واضحًا بين العديد من المسلسلات: (وتقابل حبيب/ونحب تاني ليه)، (الغاوي/العتاولة)، (نسل الأغراب/حكيم باشا)، (البرنس/فهد البطل).

أدوار في 2025 تُغير المعادلة

شهد موسم دراما رمضان 2025 تغييرًا ملحوظًا في شكل البطل الشعبي، وبرز ذلك من خلال النجوم الجدد. بدأت هذه الموجة التغييرية في الموسم الماضي من خلال مسلسل «مسار إجباري»، حيث قدم الممثل الشاب أحمد داش شخصية حسين، شاب من منطقة شعبية، يعمل على سيارة حوّلها إلى مقهى متنقل كمصدر دخل له ولوالدته. لكنه لا يمثل صورة البطل الذي لا يُقهر، ولا تدور الشخصيات الأخرى حوله فقط لتلميعه، بل شاركه البطولة الممثل الشاب عصام عمر (علي)، حيث قدم شخصية نقيضة لشقيقه، مما أبرز الفوارق الطبقية بينهما دون الاعتماد على المبالغة. المسلسل من تأليف باهر دويدار وأمين جمال، وإخراج نادين خان.

وفي موسم 2025، طُرح مسلسل «ولاد الشمس»، بطولة أحمد مالك (ولعة) وطه دسوقي (مفتاح)، وهما أبناء دار أيتام تحمل اسم المسلسل. يقدم كلٌّ منهما شخصية البطل الشعبي لكن من منظور مختلف، بعيدًا عن اللزمات الكلامية الرنانة، وحركات الأكشن المبالغ فيها، والصوت المرتفع. بدلاً من ذلك، قدّم الثنائي أداءً تمثيليًا صادقًا يعكس طبيعة الشخصيتين، حيث صُورت اختلافاتهما وفقًا لرؤية الكاتب مهاب طارق والمخرج شادي عبد السلام، بعيدًا عن النمطية التي سيطرت على الشخصيات الشعبية في السنوات الماضية.

هذه النمطية نابعة من اعتماد الصنّاع على رؤيتهم الخاصة لشكل البطل الشعبي، وتقليد ما نُفذ سابقًا، دون احتكاك مباشر بالشارع المصري وطبقاته. فغياب هذا الاحتكاك يؤدي إلى تقديم شخصيات متشابهة حد التطابق، بدلًا من إبراز الفروقات الفردية بين الأشخاص داخل الطبقة الواحدة.

الموسم شهد أيضًا تجارب متنوعة، مثل مسلسل «قهوة المحطة»، الذي قدم فيه أحمد غزي شخصية شاب صعيدي مختلف، حالم وشاعر، يسعى لتحقيق حلم التمثيل، لكنه يصبح ضحية جريمة قتل غامضة. السيناريو، الذي كتبه عبد الرحيم كمال، بُني على هذه الجريمة ليكشف الشخصيات والتفاصيل تباعًا في سياق مشوق، بعيدًا عن الصورة النمطية للشاب الصعيدي الذي يرتدي الشال والعمة ويحمل السلاح.

محاولة الخروج عن الكليشيه

أدرك بعض النجوم خطورة التكرار، ومن بينهم أحمد مكي، الذي حاول الخروج من مظلة الأعمال الشعبية التقليدية، فقدم في موسم 2025 مسلسل «الغاوي»، حيث يجسد شخصية رجل من منطقة شعبية يسعى للتوبة وترك الأعمال غير القانونية. ورغم أن هذه القصة قُدمت العام الماضي في العتاولة من خلال شخصية نصار (أحمد السقا)، إلا أن مكي تجنب أمرين: الأول، الوقوع في الكليشيه التقليدي، بل حتى سخر منه في أحد مشاهده قائلاً: “هو أنا عشان شعبي لازم أطجن في الكلام وأكعبل وشي وأقولك بعد إذن الدنيا؟”، والثاني، الابتعاد عن أسلوب المبالغة في الأداء.

أما دياب، فقدّم نموذجًا مختلفًا لشخصية الشرير الشعبي في «قلبي ومفتاحه» (تأليف مها الوزير وإخراج تامر محسن)، حيث لعب دور أسعد، رجل هادئ من الخارج، يمارس نرجسيته وتحكمه في الآخرين دون جحوظ في العينين أو صراخ زائد، بل عبر أداء متزن يجمع بين الخبث والثقة الزائدة، على عكس شخصيات أخرى مثل رجب الجرتلي (ماجد المصري) في «إش إش»، أو الجارحي (عمرو سعد) في «سيد الناس».

نحو دراما أكثر تنوعًا

بناءً على ما سبق، يبدو أن موسم رمضان 2025 يحمل بريق أمل نحو تغيير أداء الممثلين وكسر النمطية التي سادت لسنوات. ومع بروز وجوه جديدة ونصوص أكثر تنوعًا، يمكن أن نشهد مرحلة درامية أكثر ثراءً في المستقبل، تتجاوز فخ الكليشيهات وتقدم شخصيات واقعية ومختلفة.

مشاركة: